تتحدث مجريات الأمور في المشهد السياسي الأمريكي عن انقسام عام في الآراء حول القضايا المختلفة، إلا أن هذه الفرقة عرفت طريقها بقوة إلى صفوف الجمهوريين، وهو ما يُمكن لمسه في الانتقادات اللاذعة التي تلقاها وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث من سيناتوريْن جمهورييْن بارزيْن خلال جلسة استماع حادة في مجلس الشيوخ، أمس الأربعاء.
وهاجم السيناتوران الوزير الأمريكي بشدة، ولاماه على نهج إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه الحرب الأوكرانية وسياسة "أمريكا أولًا"، في مشهد يكشف عن انقسام أيديولوجي عميق داخل الحزب الجمهوري حول السياسة الخارجية.
سمعة على المحك
قاد السيناتور ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ وأحد معارضي تعيين هيجسيث، الانتقادات الموجهة لوزير الدفاع أمام لجنة الاعتمادات الفرعية للقوات المسلحة، بحسب صحيفة "بوليتيكو".
وحذَّر مكونيل قائلًا: "سمعة أمريكا على المحك، هل سندافع عن الحلفاء الديمقراطيين ضد المعتدين؟".
وأشارت صحيفة "ذا هيل" إلى أن مكونيل -الذي يترأس الآن اللجنة الفرعية المسؤولة عن تمويل الدفاع- وجَّه أقوى تحذيراته حتى الآن للبنتاجون، قائلًا: "لا نريد عنوانًا في نهاية هذا الصراع يقول إن روسيا انتصرت وأمريكا خسرت، هذا مهم للغاية إذا كنا سنواصل لعب الدور في العالم الذي تعتقد الغالبية العظمى من أعضاء الكونجرس أنه يجب أن نلعبه".
صراع الرؤى الأيديولوجية
وأظهر الحوار بين مكونيل وهيجسيث نافذة نادرة للفجوة المتسعة في السياسة الخارجية داخل الحزب الجمهوري، فبينما عبر الأول عن رؤية دولية في تقليد عهد ريجان للقيادة الأمريكية، أبدى الأخير نهجًا أكثر تحفظًا موجهًا نحو ضبط النفس و"أمريكا أولًا" والذي يحظى بتأييد العديد من حلفاء ترامب، وفقًا لـ"بوليتيكو".
وأكدت صحيفة "ذا هيل" أن هذا الخط من الاستجواب كشف عن الانقسام الأيديولوجي داخل الحزب الجمهوري حول كيفية مواجهة الولايات المتحدة لروسيا، التي يراها صقور الدفاع تهديدًا عالميًا يجب مواجهته بالمساعدة العسكرية لدعم أوكرانيا وتأكيد القوة الأمريكية في المسرح الأوروبي، بينما اتخذ العديد في إدارة ترامب، بما في ذلك هيجسيث، نبرة أكثر ترددًا.
هوية "المنتصر"
عندما واجه مكونيل وزير الدفاع بسؤال مباشر حول الطرف المعتدي في الصراع، أجاب هيجسيث بوضوح: "روسيا هي المعتدي"، لكنه عندما سُئل عن الطرف الذي يريد أن ينتصر في الحرب، تجنب الاختيار وقال فقط إن إدارة ترامب تريد إنهاء القتل ولكنها لن تختار طرفًا.
وبدلاً من ذلك، ألقى هيجسيث باللوم على إدارتي بايدن وأوباما في سوء التعامل مع روسيا وبطء تقديم المساعدات، مشيرًا إلى أن بوتين استولى على القرم وشنَّ هجومًا كاملًا على أوكرانيا خلال تلك الرئاسات.
وأكد أن "فلاديمير بوتين يعلم أن الرئيس ترامب قوي، ويعلم أن كلمته لها معنى، ونتيجة لذلك، فإن السلام المتفاوض عليه في أوكرانيا يجعل أمريكا تبدو قوية، يجعلنا نبدو وكأننا نفهم حالة العالم".
ودافع هيجسيث عن نهج الإدارة، واصفًا السلام الذي تتفاوض عليه الولايات المتحدة كقوة، مُقِرًا بأن أي تسوية ستترك "الكثير من الناس على كلا الجانبين" غير راضين، مضيفًا: "البديل من الحرب اللا نهائية التي تُمولها الولايات المتحدة إلى حد كبير ويقاتلها الأوكرانيون، والتي لدى الروس موارد غير محدودة لمواصلة صبها فيها، لا يحقق مصلحة إستراتيجية للولايات المتحدة".
تحذيرات من "الثلاثينيات"
شهدت الجلسة تبادلًا حادًا آخر عندما ضغط السيناتور ليندسي جراهام، الحليف المقرب لترامب، على هيجسيث والجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، حول ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتوقف عند أوكرانيا إذا نجح في جهوده التوسعية وانقسم الاثنان حول هذا الاحتمال.
وأجاب كين: "لا أعتقد أنه سيتوقف"، بينما قال هيجسيث إن الأمر "يبقى لنرى"، فرد جراهام بحدة في إشارة لـ"أدولف هتلر": "حسنًا، هو يقول إنه لن يتوقف.. هذه هي الثلاثينيات مرة أخرى، الأمر لا يحتاج لننتظر لنرى".
انتقادات ديمقراطية
أيضًا، وجَّه الديمقراطيون في اللجنة انتقادات حادة أيضًا، وحذر السيناتور كريس كونز من ديلاوير، الديمقراطي الأبرز في اللجنة، هيجسيث من السعي لتحقيق سلام "بأي ثمن".
كما انتقد حذف المساعدات لأوكرانيا من ميزانية الإدارة، قائلًا: "يبدو لي مقلقًا أن طلب 2026 يلغي المساعدات لأوكرانيا بالكامل، لا يمكننا التخلي عن أوكرانيا، هذا سيضعنا في وضع استراتيجي غير مؤات بشكل كبير"، بحسب "بوليتيكو".
وواجه هيجسيث انتقادات بشأن تفاصيل الميزانية الدفاعية المبهمة من الجانبين، ووبخته السيناتورة سوزان كولينز، كبيرة مخصصي مجلس الشيوخ، لكون البنتاجون "بطيئًا بشكل غير مقبول" في تقديم طلب الإنفاق المفصل للسنة المالية 2026.
كما انتقد السيناتور ديك دوربين البنتاجون لقطع البحوث الطبية العسكرية بينما ينفق 45 مليون دولار على عرض عسكري كبير للاحتفال بالذكرى الـ250 لتأسيس الجيش.