الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رسالة "شبكة العنكبوت" المزدوجة.. ضربة للكرملين وإنذار للغرب

  • مشاركة :
post-title
عملية "شبكة العنكبوت" اعتبرها محللون ضربة للكرملين وإنذارًا للغرب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

اخترقت أسراب من الطائرات الأوكرانية المسيّرة المجال الجوي الروسي، لتُنفذ واحدة من أكثر العمليات إثارة في الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، لتوجه رسالة مشفرة للعالم أن التكنولوجيا الرخيصة قد تقلب موازين القوى، لتفتح أعين العواصم الغربية على حقيقة مقلقة هي أن الدفاعات الجوية التقليدية لم تعد كافية.

ضربة أوكرانية غير تقليدية

الأحد الماضي، أعلنت أوكرانيا تنفيذ عملية جوية عُرفت باسم "شبكة العنكبوت" بواسطة طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة أطلقتها من حاويات خشبية محمولة على شاحنات، استهدفت من خلالها أكثر من 40 طائرة روسية، بما في ذلك قاذفات استراتيجية وطائرات قيادة وتحكم في عدد من القواعد الجوية المنتشرة بأنحاء روسيا.

ورغم الغموض حول حجم الخسائر، إلا أن مسؤولين أوكرانيين قدّروا القيمة الإجمالية للأضرار بما يقارب 7 مليارات دولار، أما روسيا فنفت عبر وزارة خارجيتها هذه المزاعم دون أن تصدر تقييمًا مستقلًا للأضرار، ورغم الضربة لا تزال موسكو تحتفظ بعدد كافٍ من الطائرات لمواصلة شن هجماتها الجوية على أوكرانيا.

ضربة للكرملين وإنذار للغرب

يرى محللون عسكريون، وفق شبكة أسوشيتد برس الأمريكية، أن العملية لم تكن فقط صفعة للهيبة الروسية، بل شكلت أيضًا جرس إنذار مدوٍّ للغرب، فيقول دوغلاس باري، الزميل البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن: "الطيف المتسع للتهديدات بات يتطلب من الغرب مراجعة كاملة لدفاعاته الجوية".

وتقول كايتلين لي، خبيرة الطائرات المسيّرة في مؤسسة راند بواشنطن، إن الأهداف عالية القيمة مثل مصانع الأسلحة والقواعد الجوية في الدول الغربية "أصبحت مثيرة للاهتمام أكثر من أي وقت مضى للجهات الحكومية وغير الحكومية"، مشيرة إلى أن الوقت قد حان للاستثمار الجدي في الدفاعات المضادة للطائرات المسيّرة.

طائرات رخيصة تواجه معدات بمليارات

رغم أن الطائرات الأوكرانية المستخدمة في الهجوم لا تتجاوز كلفة الواحدة منها ألف دولار، فإن أهدافها كانت طائرات تُقدّر قيمتها بمئات الملايين، الفيديو الذي بثه جهاز الأمن الأوكراني أظهر مسيّرات وهي تنقض على طائرات روسية متوقفة، بعضها مغطى بإطارات مطاطية يُعتقد أنها وضعت لتشويش أنظمة الاستهداف أو لتوفير حماية بدائية.

وأوضح جهاز الأمن الأوكراني أن بعض هذه الطائرات تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يمكنها من التحليق بشكل مستقل حتى في حال فقدان الإشارة، وهي تكنولوجيا لم تكن متاحة لأوكرانيا قبل 5 سنوات فقط.

ووفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية، الذي أجرته شبكة "أسوشيتد برس"، فقد دُمرت سبع قاذفات روسية في قاعدة بيلايا الجوية بمنطقة إيركوتسك، منها ثلاث قاذفات من طراز تو-95 وأربع من طراز تو-22 إم.

أنظمة دفاع بحاجة إلى ثورة

ما حدث في روسيا هو تذكير للغرب بأن الحرب الحديثة لم تعد تعتمد فقط على الطائرات المقاتلة والبوارج والمدفعيات الثقيلة، فحسب "أسوشيتد برس" أصبحت الطائرات المسيّرة الصغيرة، التي لا تكاد تُرى على الرادار، قادرة على إحداث دمار واسع، خاصةً حين تُستخدم بطرق غير تقليدية.

وقالت "لي"، إن الدفاع ضد هذه الطائرات يُعدّ تحديًا كبيرًا، لأنها تطير على ارتفاع منخفض وسرعات بطيئة، وتُشبه الطيور على الرادار، كما أن إمكانية إطلاقها من داخل حدود الدولة المستهدفة يزيد من صعوبة رصدها مقارنة بالصواريخ العابرة للقارات.

ومن بين الخيارات الدفاعية التي يجري النظر فيها هي استخدام ملاجئ محصنة لحماية الطائرات، وتوزيع الأهداف الجوية على قواعد متعددة، واستخدام أهداف وهمية لخداع الطائرات المهاجمة.

تكلفة الحماية وتداعيات الضربة

ويفرض الهجوم الأوكراني على موسكو، اليوم، نفقات باهظة لإصلاح الطائرات المتضررة، وحماية ما تبقى منها، وتحسين قدراتها في تعطيل العمليات الجوية المعادية، كما قد تضطر إلى تسريع برنامج استبدال قاذفات تو-95 التي لم تعد تُنتج.

ورغم أن الضربة قد تُؤثر في المدى القصير على القدرة الروسية على تنفيذ هجمات جوية، فإن تأثيرها الاستراتيجي بعيد المدى لا يزال موضع تساؤل، ووفقًا لبيانات القوات الجوية الأوكرانية التي حللتها وكالة "أسوشيتد برس"، فإن روسيا استخدمت القاذفات من طراز Tu-22M3 وTu-95 نحو 14 مرة فقط بين يوليو وديسمبر 2024، بينما كانت تُطلق الطائرات المسيّرة بشكل شبه يومي.

هل تُغيّر الطائرات المسيرة قواعد اللعبة؟

المقارنة هنا ليست فقط بين عدد الطائرات، بل بين شكل الحرب، فكما أن إسرائيل استخدمت طائرات مسيّرة صغيرة في عمليات هجومية بلبنان وإيران، والولايات المتحدة استخدمت طائرات "بريداتور" في أفغانستان لقتل متمردين من آلاف الأميال، فإن التكنولوجيا أصبحت تتيح الآن لدول أصغر وربما أقل تمويلًا أن تُحدث فرقًا استراتيجيًا.

ويرى توماس ويذينجتون، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، أن "أيًا كانت الطريقة التي تُقسّم بها الكعكة لروسيا، فإن هذا يتطلب نفقات باهظة، يمكنك أن ترى مليارات الدولارات تتراكم".