عقد جولة سادسة من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، الأحد 15 يونيو 2025، لبحث إطار اتفاق نووي محتمل بعد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إدانة إيران، 12 يونيو الجاري، بعدم الامتثال لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي، وسط مخاوف من انهيار الحل الدبلوماسي وبدء جولة جديدة من التصعيد في الشرق الأوسط.
وخلال زيارته لطهران، 31 مايو 2025، سلّم وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي نظيره الإيراني عباس عراقجي، مقترحًا أمريكيًا لإطار اتفاق نووي "مفصلًا ومقبولًا من النظام الإيراني ومن مصلحته قبوله"، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، بينما تعكف طهران على تقديم ردها على المقترح الأمريكي، خلال أيام إلى الوسيط العُماني، وأشار الوزير عراقجي إلى أن بلاده سترد على عناصر المقترح الأمريكي "وفق المبادئ والمصالح الوطنية وحقوق الشعب الإيراني".
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي مآلات المفاوضات الأمريكية الإيرانية وتحديات التوصل لاتفاق نووي جديد.
سياقات مؤثرة
جاء المقترح الأمريكي عقب 5 جولات من التفاوض، بدأت 12 أبريل 2025، بينما لا تزال عُقدة تخصيب اليورانيوم عقبة رئيسية، تعقد الجولة السادسة حسب الجانب الإيراني في مسقط، الأحد 15 يونيو الجاري.
ويتصاعد لهيب المفاوضات النووية مع صدور تقريرين للوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارا إلى زيادة مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب بنحو 50%، خلال الأشهر الثلاث الماضية، بالتزامن مع تصعيد المواجهة الإعلامية بين إيران وإسرائيل، وتلويح الأولى بعسكرة برنامجها النووي إذا ما تعرضت منشآتها لقصف من الأخيرة، حسب تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتستبق الجولة الجديدة من المفاوضات غير المباشرة العديد من التحركات المؤثرة على مسار المفاوضات على النحو التالي:
(*) إدانة إيران: اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قرارًا يُدين إيران بعدم الامتثال لمعاهدة عدم الانتشار النووي، أعدته المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بأغلبية، 19 صوتًا من إجمالي 35 دولة، ما قد يؤدي لتحويل البرنامج النووي إلى طاولة مجلس الأمن الدولي، تمهيدًا لإعادة فرض العقوبات الأممية بموجب آلية الزناد.
(*) حراك إقليمي: أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، سلسلة زيارات لاطلاع دول المنطقة على مستجدات المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي شملت السعودية والإمارات وقطر ومصر، قبل أن يلتقي عراقجي عددًا من نظرائه العرب، 11 يونيو 2025، على هامش مشاركته في منتدى أوسلو العالمي بالنرويج.
وتعكس تلك الخطوة استجابة إيرانية لشواغل دول المنطقة عامة ودول الخليج العربي على وجه الخصوص، بشأن البرنامج النووي مع تأييدها حق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي تحت الإشراف والمراقبة الكاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويبدو أن مقترح تدشين تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم كان في مركز تلك المحادثات بالنظر لتوجه دول الخليج إلى الطاقة النووية في سياق استراتيجياته التنموية التي تقلل من الاعتماد على النفط، وكذلك ما تعكسه تصريحات الجانب الخليجي التي تؤكد ضرورة أن يشملها أي اتفاق جديد بشأن النووي الإيراني، وفيما رحب وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، 2 يونيو 2025 بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية، أعرب المجلس عن رغبته في المشاركة بأي مفاوضات إقليمية أو دولية مستقبلية بشأن البرنامج النووي، وأن تشمل تلك المفاوضات المخاوف الأمنية لدول المجلس، منها برنامج الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة وسلامة الملاحة البحرية والمنشآت النفطية.
(*) التلويح بالخيار العسكري: خلال الأيام الماضية تصاعدت المخاوف من ضربة محتملة لمنشآت إيران النووية، ما دفع الأخيرة لتصعيد تهديداته العسكرية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ هدد وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، 11 يونيو 2025، بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة حال اندلاع صراع مع واشنطن.
وفي خضم الاختراق الاستخباراتي الذي أعلنته إيران بالاستيلاء على آلاف الوثائق الخاصة بالبرنامج النووي الإسرائيلي، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسي، في مؤتمر صحفي 9 يونيو الجاري "ضمنيًا" الاختراق الإيراني، مشيرًا إلى أنه قد يتعلق بمنشأة سوريك للأبحاث النووية جنوب تل أبيب، التي تخضع لعمليات تفتيش الوكالة خلافًا للأجزاء الاستراتيجية الأخرى من البرنامج، الذي لا تمتلك الوكالة حق الوصول إليها. وفي مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، 9 يونيو الجاري، أن طهران أبلغته بإمكانية اللجوء إلى تطوير سلاح نووي إذا ما تعرضت منشآتها النووية لقصف إسرائيلي، بينما لوحت السلطات الإيرانية كذلك باستهداف المنشآت النووية الإسرائيلية.
وفي دلالة على خطورة التصعيد في المنطقة، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع كبار مسؤولي فريقه للأمن القومي في كامب ديفيد، 8 يونيو 2025، لبحث ملفات الملف النووي الإيراني والحرب الإسرائيلية على غزة، حسب موقع أكسيوس.
تحديات الجولة السادسة
بينما طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس 12 يونيو 2025، كموعد لمحادثات الجولة السادسة، الذي يتقاطع مع انتهاء مهلة الشهرين التي تضمنها خطابه للمرشد الإيراني من أجل التوصل لاتفاق جديد، إلا أن انعقاد الجولة الجديدة ورغم الخلافات والرفض المتوقع من جانب إيران للمقترح الأمريكي يعكس إصرار الجانبين على التوصل لاتفاق مع فشل خطوات طهران وواشنطن في إعادة بناء الثقة.
ويمكن استعراض التحديات الرئيسية التي تواجه الجولة السادسة للمفاوضات على النحو التالي:
(&) تخصيب اليورانيوم: رغم موافقتها على المقترح العُماني بإنشاء تحالف إقليمي لتخصيب اليورانيوم وتوفير الوقود النووي لكل من إيران ودول الجوار في الخليج العربي بصورة أساسية بمشاركة الولايات المتحدة وقوى عربية وإقليمية، إلا أن طهران تتمسك بتخصيب اليورانيوم على أراضيها وفق مكتسبات اتفاق 2015 مع القوى الدولية، الذي منحها حق التخصيب بنسبة 3.67%، بينما رفعت الولايات المتحدة سقف موقفها من التخصيب بنسبة تصل 3% إلى الرفض المطلق للتخصيب على الأراضي الإيرانية.
وفي ضوء تلك المخاوف تطرح فكرة إنشاء تحالف "كونسورتيوم" لإنتاج الوقود النووي التجاري اللازم لتشغيل البرامج النووية السلمية في إيران والخليج بإشراف الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع الانفتاح لانضمام أطراف إقليمية أخرى تمتلك مشروعات نووية سلمية على غرار تركيا ومصر، على غرار تجارب سابقة وبناءً على مقترحات ورؤى غربية لصيغة ذلك التحالف.
وتعزز المقترحات البحثية دور سلطنة عُمان المركزي في أي تحالف ناشئ لتخصيب اليورانيوم، من خلال استضافة منشآت إنتاج الوقود النووي على أراضيها بمشاركة الخبرات والكوادر التقنية الإيرانية، بينما تزود طهران منشآت التحالف بمكونات أجهزة الطرد المركزي على أن تكون الرياض مركزًا لعمليات تعدين اليورانيوم وتخزين المواد المخصبة، بالاستفادة من موقع المملكة واحتياطياتها من اليورانيوم، فضلًا عن خططها لتدشين برنامج نووي لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة على الطاقة ودعمًا لخطط التنويع الاقتصادي.
كما تشمل المفاوضات سبل التخلص من الكميات المتراكمة من اليورانيوم عالي التخصيب وتعزيز الرقابة والتحقق في مجال التخصيب بمساعدة أطراف ثالثة على رأسها روسيا، التي يتعزز دورها كطرف ضامن في أي اتفاق محتمل، إذ تبدي دعمها للمفاوضات الأمريكية الإيرانية.
(&) معضلة الضمانات: تمثل الخلافات العلنية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية انعكاسًا للعلاقات الإيرانية الأوروبية والمخاوف الأمنية الإيرانية تجاه بعض مفتشي الوكالة على خلفية الاختراقات السابقة للمنشآت النووية، إذ اتهمت طهران المفتشين بالتجسس في مذكرة وزعتها على أعضاء مجلس المحافظين، 5 يونيو الجاري، حسب وكالة بلومبرج.
ويغيب عن المقترح الأمريكي مطلب رئيسي لإيران يتمثل في الرفع الفاعل والكامل للعقوبات المفروضة عليها، ويتخوف الجانب الإيراني مع التوقيع على اتفاق نووي جديد يقلص من مكتسباتها على الصعيدين النووي والصناعي العسكري، إلى جانب استمرار العقوبات الأمريكية المدمرة التي حالت ولا تزال من تدفق الاستثمار الأجنبية في القطاعات الحيوية بإيران.
(&) التنسيق الأمريكي الإسرائيلي: رغم التباين المبدئي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن سير المفاوضات مع إيران والدفع الإسرائيلي المستمر لعرقلة المفاوضات وتدخلها المتزايد في الجولات الأخير عزز من حضورها في قلب المفاوضات الأمريكية الإيرانية عبر زيارات وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ورئيس الموساد ديفيد برنياع، إلى روما قبيل الجولة الخامسة. ومن المقرر أن يلتقي الجانبان في واشنطن، 13 يونيو الجاري. وكشفت المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب ونتنياهو، 11 يونيو 2025، عن مخاوف عميقة من شن هجوم إسرائيلي وشيك بالتوازي مع اتخاذ واشنطن إجراءات احترازية لحماية المدنيين وأسر الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط.
وإجمالًا؛ لم تنجح التحركات الدبلوماسية المكثفة للجانب الإيراني خلال الآونة الأخيرة في كسب التأييد اللازم ضمن دول مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما ظهر في تأييد 19 دولة لقرار إدانتها بعدم الامتثال لمعاهدة عدم الانتشار النووي بدعم من الدول الغربية لتعزيز الضغوط على إيران لوقف مسار التصعيد النووي عبر مراكمة كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، فضلًا دورها الإقليمي المزعزع للاستقرار وبرنامجها للصواريخ الباليستية، الذي يقع ضمن الشواغل الأمنية ليس فقط لدول الجوار الخليجية وإنما لدول الترويكا الأوروبية الشريكة بخطة العمل المشتركة الشاملة "الاتفاق النووي". وعلى الجانب الآخر يبقى الجانب الأمريكي على هامش ضئيل للتفاوض مع تغيير لهجة الرئيس الأمريكي من التفاؤل المفرط إلى التململ والإحباط من سير المفاوضات مع إيران وإمكانية التوصل لاتفاق في نهاية المطاف، وهو ما يعود جزئيًا للضغوط الإسرائيلية وتأهب الجانبين الإسرائيلي والإيراني لاندلاع نزاع واسع النطاق قد يشمل الميليشيات الموالية للأخير في المنطقة انتظارًا للحظة انهيار المسار التفاوضي.