الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

6 روايات العام الجاري.. هل "الاقتباس" شهادة ضمان لنجاح الأعمال الدرامية؟

  • مشاركة :
post-title
تحويل الروايات إلى أعمال فنية

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

يدرك صناع الفن أن رمانة الميزان لن تنضبط إلا بالعودة إلى الرواية، التي هي أصل الحكاية، ولذلك انتشرت ظاهرة الاستناد للأدب المصري في الأعمال الدرامية السينمائية والتلفزيونية، إذ التفتوا إلى كنوزه بحثًا عن قصص مختلفة، وشخصيات تنبض بالحياة لينسج المؤلفين حكايات أفرزتها عقول المبدعين في المجال الفني.  

ست روايات وجدت طريقها العام الجاري إلى عالم الصورة، سواء عن طريق التعاقد عليها أو تصويرها بالفعل، بداية من "بنات الباشا، طه الغريب، أبو الهول، موسم صيد الغزلان، دم على نهد، إذما"، لتعلن موجة جديدة من الاقتباسات الأدبية التي لا تكتفي بعرض الحكاية، بل تعيد تشكيلها لتناسب ذائقة الجمهور المعاصر، وتطرح أسئلة أكثر عمقًا حول الهوية، والمجتمع، والحب، والصراع. 

الشناوي: ليست ضمانًا للنجاح

يؤكد الناقد المصري طارق الشناوي، أنه لا يمكننا الجزم بأن تحويل رواية عظيمة إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني يضمن بالضرورة نجاحًا فنيًا، فحتى بعض أعمال نجيب محفوظ، التي حظيت بسمعة مرموقة على الورق، أخفقت على الشاشة، ليس لضعف النص الأصلي فحسب، بل أحيانًا لقصور في المعالجة الدرامية، لذلك الأمر إذًا لا يرتبط بجودة الرواية وحدها، بل بمدى قدرة كاتب السيناريو "الحلقة الوسيطة بين المؤلف والشاشة".

ويضيف الشناوي لموقع "القاهرة الإخبارية": "لعل من أبرز الكتاب الذين يملكون نصًا دراميًا محضًا، وتبدو أعمالهم جاهزة للتحويل، هو يوسف إدريس، إذا انبرى صناع السينما والدراما لمعالجة نصوصه بأسلوب سينمائي يليق بعمقها الروائي، لكانوا قد وجدوا ضالتهم الحقيقية. فالرواية والقانون الدرامي يستندان إلى معايير فنية واضحة، والإبداع الحقيقي يكمن في امتلاك الوسيط (كاتب السيناريو) للخبرة الكافية كي ينقلنا من دفتي الكتاب إلى أروقة الشاشة بصدق وقوة".

كواليس فيلم "بنات الباشا"
مصطفى حمدي: خطوة طبيعية نحو الارتقاء

يُبدي المؤلف المصري مصطفى حمدي حماسه لعودة الرواية إلى صدارة المشهد الدرامي والسينمائي، ويراها خطوة طبيعية نحو الارتقاء بالمحتوى، لا سيّما أن التاريخ يثبت أن كثيرًا من أنجح الأعمال البصرية في مصر جاءت من رحم الأدب، مثل "أفراح القبة، الفيل الأزرق، عمارة يعقوبيان، وحتى الأعمال المعاصرة مثل بالطو".

ويضيف: "الرواية تمنحنا كصُنّاع مادة أوليّة ناضجة، فهي ليست مجرد فكرة قيد التطوير، بل عمل مكتمل الأركان له بداية واضحة، ومنتصف متماسك، ونهاية محسوبة بدقة. هذا التماسك يمنح المخرج والممثل وحتى المنتج، رؤية واضحة للهيكل العام قبل بدء التنفيذ".

ويعتبر "حمدي" أن واحدة من أهم مشكلات السيناريوهات "الأصلية" أي التي لا تستند إلى نص أدبي تكمن في غموضها البنائي في المراحل الأولى، قائلًا: "كثير من الأعمال تبدأ من فكرة، ثم تتطور عبر ورش أو تدخلات متعددة، وهذا يجعلها عُرضة لتغييرات جذرية خلال التنفيذ. في المقابل، العمل المأخوذ عن رواية يظهر على الورق بجودة شبه نهائية، يُمكن اختباره وتقييمه من البداية".

فقر الابتكار

يرى حمدي أن لجوء صنّاع الدراما إلى الأعمال الأدبية ليس "موضة عابرة"، بل نتيجة منطقية لحالة الجمود الإبداعي، التي تعانيها الصناعة، ويؤكد أن فقر الابتكار أصبح أزمة حقيقية في المشهد، إذ يقول: "للأسف، هناك تداخلات مرهقة من قبل بعض الممثلين، الذين يريدون الظهور بشكل معين أو قول جمل معينة تُبرزهم، وهذه التدخلات تعد كارثة للكاتب، لأنها تقتل الإبداع وتجهض البناء الدرامي من أساسه، ولهذا نعيش حالة من الشح في الأفكار الجديدة".

ويُفسر عودة الرواية كمصدر أساسي للدراما والسينما بأنها تأتي بسبب جاهزية النص الأدبي، قائلًا: "النصوص الأدبية القوية تفرض نفسها، هي التي تُجبر صنّاع الأعمال على السعي خلفها، لأنها مكتملة من حيث الفكرة والبنية والشخصيات، والأهم مُحصنة إلى حد كبير من تدخلات خارجية تُفسد الرؤية".

تحديات التحويل 

عن التحديات الخاصة بتحويل النصوص الأدبية إلى سيناريوهات، يضع "حمدي" يده على واحدة من أكثر الإشكاليات حساسية "الصراع غير المُعلن بين الروائي والسيناريست"، قائلًا: "الكاتب الروائي في بعض الأحيان لا يقبل أن يمس نصه، ويرغب في كتابة السيناريو والحوار بنفسه، رغم أن ذلك ليس دائمًا في صالح العمل. السيناريو صنعة مستقلة تمامًا عن الرواية، في المقابل، هناك سيناريست لا يُجيد كتابة نص أدبي متماسك، فكل له أدواته".

ويُشير إلى حالات استثنائية نادرة نجح فيها بعض الكتاب في الجمع بين المهارتين، مثل أحمد مراد، لكنه يستدرك أن هذه حالات نادرة، مؤكدًا أن كثيرًا من المحاولات التي يقوم بها الروائيون لكتابة السيناريو والحوار تنتهي بنتائج ضعيفة، لكنهم يصرون على تنفيذها، وهنا يبدأ الاحتكاك".

الفنان المصري حسن الرداد بطل فيلم "طه الغريب"
أمير رمسيس: ليست كل رواية تصلح للسينما

يرى المخرج المصري أمير رمسيس، أن جاذبية الرواية لا ترتبط فقط بقيمتها الأدبية، بل بمدى قابليتها للتحول إلى سيناريو سينمائي قوي، ويقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "هناك روايات أدبيًا تعد عظيمة، لكنها لا تملك العناصر التي تؤهلها لتكون فيلمًا ناجحًا، وفي المقابل تجد روايات متوسطة الجودة تصنع أفلامًا رائعة، فقط لأنها تحتوي على البنية السردية المناسبة للسينما".

ويعتبر "رمسيس" أن أول ما يبحث عنه في أي نص أدبي هو ما يصفه بـ"السر السينمائي"، أي ذلك العنصر الخفي الذي يشير إلى قدرة الرواية على التحوّل إلى فيلم بصري قوي. ثم تأتي بعد ذلك عوامل أخرى مثل ارتباطه الشخصي بالقصة أو إعجابه بالأسلوب الأدبي.

كسر التطابق

وحول مسألة التطابق بين الرواية والفيلم، يعتقد "رمسيس" أن الجمهور يميل عادة إلى مشاهدة نص متطابق مع الأصل، إلا أن هناك تجارب سينمائية استطاعت أن تفرض سردًا مختلفًا، بل نالت إعجاب الجمهور رغم اختلافها عن الرواية، مثل فيلمي "الكيت كات" و"باب الشمس"، إذ نجح كل منهما في تقديم معالجة بصرية جديدة للنص الأدبي الأصلي.

ويشير رمسيس إلى أن العديد من روايات الكاتب دان براون، رغم كونها ذات طابع تجاري، خضعت لتعديلات طفيفة في أثناء تحويلها إلى أفلام، ومع ذلك تقبل جمهور الروايات هذه التغييرات، ما يدل على أن التعديل الذكي والمناسب يمكن أن يثمر عن عمل ناجح دون خيانة الأصل.

ويرجع "رمسيس" زيادة عدد الروايات المحوّلة إلى أعمال سينمائية ودرامية، خلال السنوات الأخيرة، إلى انتشار مفهوم "الرواية الأكثر مبيعًا" وهو مفهوم لم يكن شائعًا في مصر من قبل، إذ بات اسم الكاتب ومبيعات روايته معيارًا يؤخذ في الاعتبار عند اختيار الأعمال التي تستحق التحويل.

وشدد في الوقت ذاته على أن ليس كل الروايات المعاصرة تصلح أو لا تصلح للسينما بشكل مطلق، فالموضوع نسبي، ويعتمد على عوامل عدة أبرزها البناء السردي، الشخصيات، وحجم الإمكانات التي يتيحها النص للإخراج والمعالجة البصرية.

الأدب خالد

وفي تعليقه على العلاقة بين الأدب والسينما، يرى "رمسيس" أن هذه العلاقة لا تقتصر على الروايات الحديثة، بل تشمل الأدب الكلاسيكي أيضًا، موضحًا أن أعمالًا خالدة مثل مسرحيات شكسبير ما زالت تُحوّل إلى أفلام حتى اليوم.

واختتم: "في رأيي، الأدب خالد، وتحويله إلى سينما لا يرتبط بزمن أو جيل. كما أنه لا يوجد تعارض بين تقديم أعمال أصلية وطرح اقتباسات أدبية.. فالتاريخ يؤكد أن السينما كانت دائمًا ساحة يتعايش فيها الشكلان، دون أن يلغي أحدهما الآخر".

الكاتب المصري أحمد مراد
الناقدة سامية حبيب: الرواية قلب الدراما

تؤكد الناقدة المصرية سامية حبيب، أن اتجاه بعض الجهات الإنتاجية أخيرًا نحو تحويل الروايات الأدبية، سواء المحلية أو العالمية، إلى أعمال درامية، يعد توجهًا إيجابيًا ومهمًا يُبشر بمرحلة جديدة من النضج في صناعة التلفزيون والسينما المصرية.

وتشير لموقع "القاهرة الإخبارية"، إلى أن هذا ليس توجهًا جديدًا، بل عودة إلى الجذور، إذ تأسست السينما المصرية والتلفزيون منذ بدايتهما على أساس النصوص الأدبية، قائلة: "يكفي أن أول فيلم مصري، وهو "زينب" كان مقتبسًا عن رواية كتبها محمد حسنين هيكل. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الرواية ركيزة أساسية للدراما، من أعمال نجيب محفوظ، طه حسين، إحسان عبدالقدوس، يوسف السباعي، وحتى أمين يوسف غراب".

وتشدد "حبيب" على أن الرواية تظل من أغنى مصادر الإلهام للدراما المرئية، لكن النجاح لا يتوقف على وجود نص أدبي قوي فقط، بل على طريقة صياغته سينمائيًا أو دراميًا.

وتضيف: "التحدي الحقيقي دائمًا هو كيف تُعاد كتابة الرواية لتتحول إلى فن بصري؟، هل ستُترجم روحها؟، هل سيتم الحفاظ على عمقها؟.. هذه هي الأسئلة الحاسمة".

وتؤكد أن بعض التجارب السابقة في تحويل الروايات إلى أعمال درامية لم تحقق النجاح المرجو، لكنها تستدرك أن هناك أعمالًا تركت بصمة لا تُنسى، مثل أفلام "اللص والكلاب، الكرنك" عن روايات نجيب محفوظ، و"رد قلبي، بين الأطلال" عن روايات يوسف السباعي.

وتنتقل "حبيب" للحديث عن الروايات المعاصرة، معتبرة أن كثيرًا منها أثبت قدرته على النجاح الجماهيري عندما قُدم بصيغة بصرية مناسبة، مثل فيلم "تراب الماس"، و"بضع ساعات في يوم ما" المأخوذ عن رواية لمحمد صادق، و"1919" المأخوذ عن رواية أحمد مراد.

وتشدد على أن معادلة النجاح ليست ثابتة، إذ تعتمد على عوامل عديدة مثل قوة الموضوع، وارتباطه بالجمهور، وجودة المعالجة الفنية، قائلة: "نجاح الرواية على الشاشة لا يمكن التنبؤ به إلا بعد التجربة، لكن ما يمكن تأكيده أن الرواية ستبقى دائمًا مصدرًا أصيلًا وقادرًا على الإثراء، بشرط أن نحسن التعامل معها بصريًا. نأمل أن تنجح هذه البوادر، وأن نرى تطورًا حقيقيًا في هذا الاتجاه".