الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الأخوان ناصر: صوت فلسطين انتصر في "كان" بـ"كان ياما كان في غزة"

  • مشاركة :
post-title
الأخوان ناصر "عرب وطرزان"

القاهرة الإخبارية - ولاء عبد الناصر

فوز الفيلم بالمهرجان تكريم لغزة المحاصرة بالصمت
لم نسع لإيصال رسالة بقدر رغبتنا في أن يرى العالم الإنسان الفلسطيني
السينما الفلسطينية تلعب دورًا ثقافيًا عالميًا لأنها تروي حكاية شعب
"يحيى" يجسّد هذا الجيل الذي تكيف مع واقع قاس لم يختره

 رحلة محفوفة بالتحديات خاضها الأخوان عرب وطرزان ناصر، في خضم واقع مأساوي لا يزال يلقي بظلاله على قطاع غزة، نجح الثنائي في انتزاع لحظة استثنائية تعيد توجيه بوصلة العالم نحو فلسطين من خلال "كان ياما كان في غزة" بعد اقتناصهما جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان السينمائي.

الفيلم الذي استغرق سنوات من التطوير والكتابة لا يكتفي بسرد حكاية شخصية بل يحفر عميقًا في وجدان جيل كامل نشأ محاصرًا، وبين لغة الصورة والرمز والتوثيق والطرح الإنساني، يقدم عرب وطرزان ناصر، تجربة سينمائية شجاعة توازن بين الألم والرغبة في الحياة.

وفي حوار خاص لموقع "القاهرة الإخبارية"، يتحدث الأخوان ناصر عن رحلتهما الطويلة لخروج فيلم "كان ياما كان في غزة"، إلى النور وكواليس الفيلم وتحدياته، وعن أهمية الفن كمقاومة في زمن يحاول فيه الاحتلال طمس هوية الشعب الفلسطيني، وتجربتهما في مهرجان كان السينمائي، وحصولهما على جائزة أفضل إخراج مناصفة بين المخرجين ضمن قسم "نظرة ما".

لقطة من فيلم "كان ياما كان"
لحظة فارقة

يؤكد المخرج الفلسطيني عرب ناصر أن مشاركة فيلم "كان ياما كان في غزة" في مهرجان كان السينمائي في دورته 78 لحظة فارقة بالنسبة له على المستويين الشخصي والفني، إذ يقول: "هذا التقدير يعني لنا الكثير، خصوصًا أن الفيلم خرج في واحدة من أكثر اللحظات قسوة في تاريخ شعبنا، حيث تتعرض غزة لإبادة مستمرة حتى هذه اللحظة، ما يضيف لرمزية هذا التكريم أن الفيلم يتناول حقبة حساسة، وهي عام 2007، حين فرضت إسرائيل حصارًا خانقا على القطاع لا يزال مستمرًا حتى اليوم، وأن يعرض الفيلم في مهرجان بحجم كان، ويشاهده جمهور واسع ويكرّم، في هذا التوقيت تحديدًا، هو بالنسبة لي تأكيد أن للفن دورًا حقيقيًا في حمل الرواية الفلسطينية إلى العالم، في وقت يحاول فيه كثيرون طمسها أو تجاهلها".

ويضيف: "بدأت فكرة الفيلم منذ عام 2015، وظلت تتطور وتتبلور على مدى سنوات طويلة، حتى وصلنا إلى الصيغة النهائية التي شعرنا معها بالنضج الكامل والرضا عن القصة وكل تفاصيلها، والمفارقة المؤلمة أن السيناريو اكتمل في 6 أكتوبر 2023، واحتفلنا يومها مع أصدقاء مقربين، كان أحدهم قد عاد لتوه من غزة، وكان لا يتوقف عن الحديث عن الوضع الإنساني الكارثي هناك وفي اليوم التالي مباشرة، 7 أكتوبر، تغير كل شيء فقد أصابتنا الصدمة، وشعرنا بالعجز الكامل أمام ما يحدث، وأغلقنا كل شيء، فقدنا الأمل بأن للفن أو للسينما قدرة على إيقاف هذه الإبادة وبقينا على هذا الحال لأشهر، حتى قررنا بعد أكثر من خمسة أشهر العودة إلى السيناريو، لنكتشف أننا لم نكن بحاجة إلى تغيير أي شيء".

وتابع: "وكأن الفيلم كتب مسبقًا لما نعيشه اليوم، بل وكأنه كان يتنبأ بأسئلة ستُطرح عالميًا بعد 7 أكتوبر، ليس من منطلق الفهم، بل من منطلق الاتهام، لم يسأل أحد: لماذا حدث ذلك؟ بل قالوا: انظروا ماذا فعل الفلسطيني، ومن هنا يأتي الفيلم ليطرح السؤال الأهم: لماذا؟ نحن لا نقدم إجابات، بل نحاول أن نفهم، أن ننظر إلى ما وراء الحدث، لا أن نكتفي بالحكم عليه".

لحظة الانتصار في مهرجان كان بعد الفيلم
الصورة تتكلم

فيما يري المخرج الفلسطيني طرزان ناصر أنه وتوأمه سعيا في فيلمهما لتقديم الواقع كما هو، إذ يقول: "كما هو الحال في كل أفلامنا السابقة، نضع الإنسان في قلب الحكاية ولا نسعى لتقديم خطابات مباشرة أو شعارات، بل نقترب من تفاصيل الحياة اليومية بشفافية، بعيدًا عن الكليشيهات أو الصور النمطية التي تصنعها وسائل الإعلام لخدمة أجندات معينة ونحن نراقب الإنسان في هشاشته، في مقاومته، في تناقضاته، ومن هنا تفرض السياسة نفسها تلقائيًا. فهي حاضرة في كل لحظة من حياة الفلسطيني، حتى في أكثر تفاصيله بساطة، لذلك، لم نحاول أن نبعد السياسة، ولكننا لم نقحمها أيضًا. نحن فقط عرضنا الواقع كما هو، وتركنا الصورة تتكلم".

ويضيف: "لذا كان العرض الأول في مهرجان كان لحظة تاريخية، ليس فقط كعرض عالمي بل كحدث شعوري عميق في ظل ما يعيشه شعبنا في غزة، وشعرت بأن الفيلم لامس الجمهور بقوة، وجاءت التعليقات سواء من الصحافة أو من الحضور أكثر من إيجابية، لكن نحن لا نصنع أفلامًا خصيصًا للغرب، بل نقدم أعمالًا تنبع من رؤيتنا للعالم ومن واقعنا، ونخاطب بها الجميع، وفي النهاية تظل المعادلة قائمة: هناك غزة، وهناك العالم الذي يراقب بصمت ما يحدث لها، دون أن يملك الشجاعة لإيقاف الإبادة".

الأخوان ناصر مع بطلي الفيلم
مرآة لجيل كامل

ويستكمل عرب ناصر حديثه عن شخصية "يحيي"، التي قُدمت ضمن أحداث الفيلم، يقول عنها: "يحيى لا يمثل فردًا واحدًا، بل هو انعكاس لشريحة كاملة من الشباب الفلسطينيين الذين وُلدوا في مكان بلا أفق ولا خيارات، وذنبهم الوحيد أنهم جاءوا إلى هذا العالم في ظل واقع لا إنساني، فرضه الاحتلال والحصار، وقضى على أحلامهم وطموحاتهم. يحيى يجسد هذا الجيل الذي لم يستسلم، بل تكيف مع واقع قاسٍ لم يختره، وتعامل مع خيارات فرضها عليه الظرف، لا الرغبة، هو ليس شخصية درامية فحسب، بل مرآة لجيل بأكمله".

ويضيف: "لم نكن نسعى لإيصال رسالة، بقدر ما كنا نرغب في أن يرى العالم الإنسان الفلسطيني كما هو، هذا الإنسان الذي يستحق أن يحتفى به لا لكونه ضحية، بل لصموده الهائل على مدار عقود، وسط ظروف قاسية فُرضت عليه من قِبل إسرائيل، وبصمت شبه تام من العالم، الفيلم ليس خطابًا، بل شهادة، وهو دعوة لرؤية الفلسطيني ككائن بشري كامل، لا كخبر عاجل أو مادة دعائية".

وحول التحديات التي واجهتهما في خروج الفيلم إلى النور، يقول "عرب": "التحديات كانت أكثر مما توقعنا، وكنا نعمل على الفيلم ونحن نتابع، يومًا بيوم، ما تتعرض له عائلاتنا في شمال غزة تحت القصف والإبادة، ذلك وحده كان كافيًا لأن يعطّل كل طاقة على الإبداع. فوق ذلك، واجهنا تحديات إنتاجية صعبة جدًا، خاصة بعد انسحاب بعض الممولين، ما أثّر على الإمكانيات المتاحة ورغم كل المؤشرات التي كانت تقول إن إنجاز هذا الفيلم شبه مستحيل، تمكنا من إخراجه إلى النور، بفضل إيماننا العميق به، وبفضل كل شخص عمل عليه وكان جزءًا من هذه الرحلة".

ويتحدث عن كواليس العمل مع شقيقه طرزان، قائلًا: "نحن توأم متطابق في كل شيء تقريبًا، منذ طفولتنا وحتى اليوم نتقاسم الحياة بتفاصيلها الدقيقة والسينما بالنسبة لنا ليست مجرد مهنة، بل رابط روحي وفكري عميق وهناك اتفاق شبه تام بيننا بنسبة 99%، أما 1% المتبقية فهي مساحة الاختلاف التي تأخذ دائمًا شكل نقاشات حادة، لكنها بنّاءة، هذا الجدل يقوي العمل ولا يعطله، لأن هدفنا في النهاية مشترك، وهو إخراج أفضل ما لدينا".

أشكال المقاومة

يؤمن طرزان ناصر بأن للسينما الفلسطينية دورًا ثقافيًا كبيرًا، إذ يقول: "السينما الفلسطينية ليست طارئة، بل لها جذور عميقة ووجود حقيقي في المحافل الدولية ورغم قلة الإنتاجات، إلا أن الأفلام الفلسطينية غالبًا ما تقدم سردًا إنسانيًا صادقًا يعكس وجهة نظر الشعب الفلسطيني، وهذا ما يمنحها قيمتها وأهميتها، والسينما الفلسطينية اليوم تلعب دورًا ثقافيًا عالميًا، لأنها تروي حكاية شعب، لا مجرد قصة".

ويضيف: "التحديات التي تواجه المخرج الفلسطيني شبيهة بتلك التي يواجهها أي مخرج في العالم، لكن ما يُزيد الأمور تعقيدًا هو العامل السياسي وكثير من الممولين ينظرون إلى القصة الفلسطينية من منظور مختلف، ويحاولون أحيانًا فرض أجندات لا تعبّر عنا. وهذا ما يجعل العمل في السينما الفلسطينية أقرب إلى شكل من أشكال المقاومة، لا مجرد فن".

رغم حفاوة التقدير ولذة الفوز يبقى في القلب غصة لاستمرار الحرب ضد أهل غزة، يقول "طرزان": " حاليًا المشروع الوحيد الذي يشغلنا هو وقف الإبادة المستمرة في غزة، فنحن لا نرى أي معنى لأي شيء آخر قبل أن يتوقف هذا الكابوس، وتعود الحياة إلى مَن تبقى من أهلنا هناك.. فالإنسان الفلسطيني كما هو، لا كما تصوره رواية الاحتلال، والصورة الصادقة قادرة على فضح الزيف، وعلى حماية الكرامة، وعلى تثبيت الحق".