في قلب الأزمة السياسية التي تتآكل من أطراف حكومة بنيامين نتنياهو، امتدت شرارة الغضب إلى الشارع الإسرائيلي، حيث أغلق نشطاء طريقًا سريعًا احتجاجًا على قانون التجنيد الإجباري، فيما يستعر خلف الكواليس صراع سياسي داخلي يهدد بانفجار ائتلافي.
وبين ضغوط الحريديم ومطالب الائتلاف، يتحرك نتنياهو في حقل ألغام سياسي، يسعى فيه إلى الحفاظ على توازن هشّ يخشى معه الجميع من كلمة واحدة هي الانتخابات.
غضب على الأرض
في تطور ميداني يعكس حدة الاحتقان داخل المجتمع الإسرائيلي، ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أغلق محتجون، عصر أمس الخميس، الطريق السريع رقم 4 في منطقة بني براك، القريبة من القدس المحتلة، وذلك احتجاجًا على مشروع قانون التجنيد الإجباري الذي يُناقش حاليًا، وهو التحرك الشعبي الذي جاء تزامنًا مع تصاعد التوترات داخل الائتلاف الحاكم، ما يضيف بعدًا جماهيريًا إلى أزمة سياسية متشعبة.
ورغم تفاقم الأزمة، فإن الأحزاب الدينية الحريدية لا تزال تمنح رئيس الحكومة الإسرائيلية فسحة صغيرة من المناورة، فالحريديم الذين يشكلون ركيزة أساسية في ائتلافه، أبدوا استعدادهم للموافقة على مشروع قانون تجنيد يتم تفصيله بما يتماشى مع مصالحهم، شريطة أن يتم التوصل إلى صيغة توافقية تُطرح لاحقًا للتصويت.
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن الخلافات داخل الائتلاف بلغت ذروتها، إلا أن الطرف الحريدي، وبخاصة حزب "شاس" و"يهدوت هتوراه"، لا يزال يُمهل نتنياهو بعض الوقت لصياغة نص قانوني يضمن استمرار دعمهم له في السلطة.
محاولات لاحتواء الأزمة
من المقرر عقد اجتماع حاسم اليوم، يضم نتنياهو، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين، إلى جانب الوزير السابق أرييل أتياس، ممثل حزب شاس في المفاوضات، والهدف المعلن هو سد الفجوات بين الطرفين، لا سيما في ظل إصرار إدلشتاين على فرض العقوبات المتعلقة بقانون التجنيد فورًا.
وفي تطور أثار بعض الجدل، رُصد نتنياهو خلال فعالية عامة في مدينة يروحام وهو يتلقى ورقة من الوزير إسحاق جولدكنوبف، زعيم "يهدوت هتوراه"، لكن تم لاحقًا الإيضاح أنه طلب فقط ورقة للكتابة، ورغم ذلك، تم تصوير الاثنين وهما يتصافحان، في إشارة رمزية توحي بإمكانية التفاهم رغم الخلافات.
في المساء، يُعقد اجتماع استثنائي لمجلس "حكماء التوراة" التابع لحركة "أغودات إسرائيل"، وسيشارك في الاجتماع كبار الحاخامات من الطوائف الحسيدية والليتوانية، والهدف من الاجتماع هو توحيد الموقف الحريدي بشأن قانون التجنيد، وإيصال رسالة قوية مفادها أن الحريديم على استعداد للمضي نحو صناديق الاقتراع إن لم يتم التوصل إلى حل توافقي.
ورغم أن حزب "شاس" لم يتمكن من عقد اجتماع مماثل لمجلس حكمائه، فإن ممثل الحزب أرييل أتياس عقد خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة لقاءات فردية مع أعضاء المجلس، الذين نقلوا له رسالة حازمة: "إما قانون يُرضينا أو سنسعى إلى حل الكنيست".
سيناريوهات على طاولة نتنياهو
كتب آشر مدينا، المتحدث باسم حزب "شاس"، في مقاله بصحيفة "هعاميت"، منتقدًا موقف حزب "الليكود": "وربما تكون هذه هي النقطة الأكثر إيلامًا.. حزب الليكود الحركة التي تدّعي ارتباطها بتقاليد إسرائيل، وتراث أجدادها، واحترام التوراة أدار ظهره فجأة.. وتحت يديه، وتحت أنظاره، يُسهم في عملية قاسية ودنيئة، لاضطهاد وإذلال أبناء التوراة".
وحسب "يديعوت أحرونوت"، هذا الانتقاد يكشف عن عمق الشعور بالخيانة لدى الحريديم تجاه الحزب الذي طالما اعتُبر حليفًا طبيعيًا لهم.
ويواجه نتنياهو الآن سلسلة من الخيارات الصعبة، منها: إقالة يولي إدلشتاين من رئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، كإشارة تهدئة للحريديم، مقابل التزامهم بعدم حل الكنيست، وأيضًا إقرار القانون في قراءة تمهيدية دون إقالة إدلشتاين، ما يمنح مزيدًا من الوقت للمفاوضات، وكذلك حل الكنيست مبكرًا بالتنسيق مع المعارضة، أو طرح مبادرة ذاتية من نتنياهو لحل الحكومة وفتح الباب لانتخابات مبكرة.
ورغم هذه السيناريوهات، يبدو أن هناك إجماعًا داخل الساحة السياسية الإسرائيلية على محاولة تجنّب إجراء انتخابات مبكرة في أكتوبر المقبل.
إدلشتاين: "لم أعزل وما زلت هنا"
في جلسة للجنة الخارجية والأمن، قال إدلشتاين، متحديًا الحديث عن إقالته: "إذا كنتم تسألونني إن كنتُ قد عُزلت، فقد مضى عامٌ كاملٌ على عزلي، ولا أزال هنا، وكما ترون، أواصل العمل، أما بخصوص الحكومة والائتلاف، فأنا على الأقل لستُ متورطًا، لا في حل الائتلاف ولا في إسقاط الحكومة".
وأضاف أن كل مشروع قانون جيد يجب أن يصل إلى القراءة الثانية والثالثة في الهيئة العامة بسرعة، في تلميح إلى ضرورة الإسراع بالتشريعات رغم الخلافات.