استمرارًا للتغيرات التي يشهدها مجتمع الاستخبارات الأمريكي منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة في يناير الماضي، تستكشف رئيسة الاستخبارات الأمريكية سبل تجديد الإحاطات الاستخباراتية الروتينية المقدمة إلى الرئيس.
وتسعى مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد إلى ما قيل إنه "بناء ثقته (الرئيس ترامب) في المواد المقدمة وجعلها أكثر توافقًا مع الطريقة التي يفضل بها استهلاك المعلومات"، وفقًا لما نقلته شبكة NBC News عن خمسة أشخاص مطلعين على المناقشات.
وكجزء من هذا الجهد، طلبت "جابارد" أفكارًا من مسؤولين استخباراتيين حاليين وسابقين حول الخطوات التي يمكنها اتخاذها لتكييف الإحاطة، المعروفة باسم "إيجاز الرئيس اليومي (PDB)"، مع مصالح ترامب السياسية وعاداته.
وبصفتها مديرة الاستخبارات الوطنية، تُشرف "جابارد" على نشرة إحاطة المعلومات اليومية للرئيس وتُوافق عليها.
ونقل التقرير عن أربعة أشخاص مطلعين بشكل مباشر على المناقشات أن إحدى الأفكار التي تمت مناقشتها هي إنشاء نسخة فيديو من التقرير "مصممة لتبدو وكأنها بث لقناة فوكس نيوز"، وهي أكثر وسائل الإعلام تفضيلًا للرئيس الأمريكي.
ويُجمّع فريق كبير من المحللين وموظفون آخرون في وكالة المخابرات المركزية لتجهيز الإحاطةـ، ويُنتجون نصوصًا ورسومًا بيانية ومقاطع فيديو مُفصّلة استنادًا إلى أحدث المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها وكالات التجسس الأمريكية.
الإحاطة اليومية
وفي الوقت الحالي، إحاطة الاستخبارات اليومية للرئيس الأمريكي تعد يوميًا في شكل وثيقة رقمية للرئيس وأعضاء مجلس الوزراء الرئيسيين ومستشاريه، وتتضمن نصوصًا مكتوبة، إضافة إلى رسومات وصور. ويمكن للمادة المُدرجة في الإحاطة السرية، وكيفية تقديمها، أن تُشكّل عملية اتخاذ الرئيس للقرارات.
ووفقًا لجدول أعماله العام، فقد تلقى ترامب منذ تنصيبه الإحاطات 14 مرة، أي بمعدل أقل من مرة أسبوعيًا، وهو معدل أقل من أسلافه السابقين، بمن فيهم هو نفسه خلال ولايته الأولى.
ويُظهر تحليل جداول أسلاف ترامب العامة خلال الفترة نفسها -من تنصيبهم وحتى مايو خلال عامهم الأول في المنصب- أن الرئيس السابق جو بايدن تلقّى 90 إحاطة، بينما تلقّى ترامب 55 إحاطة، بينما تلقّى الرئيس الأسبق باراك أوباما 63 إحاطة.
وينقل التقرير عن مطلعين على مناقشات الإحاطة اليومية أن "جابارد" تعتقد أن وتيرة تقديمها قد تعكس تفضيل ترامب لتلقي المعلومات بشكل مختلف عن الإحاطة الرسمية، فضلًا عن عدم ثقته بمسؤولي الاستخبارات، وهو أمر يعود إلى ولايته الأولى، عندما اتهمهم بالتجسس على حملته الانتخابية عام 2016.
وأضافوا أيضًا أنه حتى لو تغير عرض الإحاطة اليومية، فإن المعلومات الواردة فيها لن تتغير.
وفي الواقع، ليس من غير المألوف أن يُصمَّم شكل إحاطة الرئيس الاستخباراتية اليومية لتناسب كل رئيس أمريكي على حدة، ففي ولايته الأولى، عُدِّل عرض بيان الرئيس اليومي ليناسب ترامب، بحيث يشمل نصًا أقل وصورًا ورسومًا بيانية أكثر.
نشرة "فوكس نيوز"
ناقشت "جابارد" تغييرات أكثر شمولًا، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيصل جهدها، إذ طرحت بعض الأفكار غير التقليدية؛ إحداها تتضمن تحويل تقارير الاستخبارات اليومية، بحيث تحاكي بث قناة "فوكس نيوز".
بموجب هذه الفكرة، يمكن لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية توظيف منتج من "فوكس نيوز" لإنتاجها وإحدى شخصيات الشبكة لتقديمها؛ ويمكن لترامب مشاهدة نشرة إحاطة الاستخبارات اليومية وقتما يشاء.
ونقل التقرير عن مصدر آخر أن قاعدة البيانات الجديدة قد تتضمن ليس فقط الرسومات والصور ولكن أيضًا خرائط تحتوي على تمثيلات متحركة للقنابل المتفجرة، على غرار ألعاب الفيديو.
وأعاد أحد المصادر سبب كل هذه الأفكار إلى أن "مشكلة ترامب أنه لا يقرأ، إنه يظهر على الهواء طوال الوقت".
وقال مسؤولون سابقون في الاستخبارات عملوا في إدارة ترامب الأولى إن ترامب "يُفضّل أن يتم إطلاعه شفهيًا وطرح الأسئلة، لكنه لا يقرأ المذكرات أو غيرها من المواد المكتوبة الطويلة".
وخلال فترة ولاية ترامب الأولى، تطورت الإحاطة اليومية إلى مخطط من صفحة واحدة للموضوعات مع مجموعة من الرسوم البيانية، يتم تقديمها شفهيا من قبل ضابط استخبارات مرتين في الأسبوع، وفقًا لتاريخ الإحاطات الرئاسية.
ورغم أن بيان الرئاسة اليومي شهد تحولاتٍ عديدة في عهد رؤساء مختلفين منذ إنشائه عام 1946، إلا أنه كان في الغالب مكتوبًا، ثم يُبلَّغ للرئيس شفهيًا، ولكن لم يُقدَّم عرضٌ لبيانات الرئاسة اليومية على غرار ما يُقدَّم في القنوات الإخبارية التلفزيونية أو الفضائية.
وحسب التقرير، ناقشت "جابارد" أيضًا تعديل بعض المحتوى في نشرة الأخبار اليومية لتتناسب مع اهتمامات ترامب، مثل تضمين المزيد من المعلومات حول القضايا الاقتصادية والتجارية والتركيز بشكل أقل روتينيًا على الحرب في أوكرانيا، حيث من المألوف إدراج معلومات استخباراتية حول قضايا تهمّ الرئيس بشكل خاص، وهو أمر يتغير مع أولويات الإدارة.
وذكر أحد المصادر أنه بسبب عدم ثقة ترامب في مجتمع الاستخبارات، فإن إقناعه بتبني نشرة الإحاطة اليومية "معركة شاقة للغاية".
تسييس الاستخبارات
ذكرت NBC News أن "جابارد" تخطط لنقل المكتب الذي يعد النشرة اليومية من مقر وكالة المخابرات المركزية في لانجلي بولاية فرجينيا إلى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية لتعزيز دور مكتبها في تقديم المعلومات الاستخباراتية إلى الرئيس.
وسيحتاج مكتب مدير الاستخبارات الوطنية (ODNI) إلى توسيع طاقم موظفيه والحصول على أدوات رقمية وبنية أساسية أخرى لتجميع قاعدة بيانات السياسات.
وإذا تم تحويل الإحاطة اليومية إلى فيديو لترامب، فمن المرجح أن يتم تقديمها في شكل مشابه لشكلها الحالي إلى كبار المسؤولين الآخرين الذين يتلقونها.
وتأتي المناقشات حول التغييرات المحتملة في نشرة البيانات الشخصية وسط تساؤلات حول ما إذا كانت "جابارد" قد تسيّس عملية الاستخبارات، خاصة بعد أن طلب رئيس موظفيها، جو كينت، من المحللين مراجعة تقييم لعصابة إجرامية فنزويلية بدا أنها تقوض سياسة ترامب في الهجرة.
وأخيرًا أُقيل مسؤولان كبيران كانا يقودان مجلس الاستخبارات الوطني، بعد أن ناقض التقييم الاستخباراتي الأولي تأكيدات ترامب بأن عصابة "ترين دي أراجوا" كانت يعمل تحت إشراف نظام فنزويلا، بقيادة نيكولاس مادورو.
واستشهد ترامب بمزاعم حول علاقة النظام المزعومة بالعصابة كمبررٍ لاستخدامه قانونًا نادر الاستخدام يعود لعام 1798، وهو قانون "الأعداء الأجانب"، لترحيل الأشخاص المشتبه في انتمائهم إلى العصابات دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
ومن الشائع أن يعين قادة الاستخبارات موظفيهم في أماكنهم الخاصة، لكن هذه الخطوة أثارت قلق الديمقراطيين في الكونجرس الذين شككوا بالفعل في بعض جهود جابارد الرامية إلى فرض سيطرة أكثر صرامة على المعلومات الاستخباراتية التي تصل إلى ترامب.