في عام 2003، كانت عميلة المخابرات المركزية "فاليري بليم" محورًا لفضيحة هزّت مجتمع الاستخبارات الأمريكي، بعدما كشف هويتها كبار المسؤولين في البيت الأبيض، بعد أن كتب زوجها -آنذاك- السفير الأمريكي، جو ويلسون، مقالة ذكر فيها أن إدارة جورج بوش الابن "كذبت بشأن التهديد الذي يشكله العراق قبل قرارها بغزو البلاد".
وبعد سنوات من تلطيخ سمعتها، كتبت "بليم" مقالًا في مجلة "فورين بوليسي"، تروي فيه ما وصفته بـ "التمييز المتأصل في المجتمع الأمريكي" بين النساء والرجال. واصفة وكالة المخابرات المركزية -التي انضمت إليها في ذروة الحرب الباردة- بأنها "كانت عالمًا خاصًا بالرجال".
تقول: "عندما قرأت كتاب الصحفية ليزا موندي الجديد "الأخوات: التاريخ السري للنساء في وكالة المخابرات المركزية"، خطرت ببالي ذكريات غير مريحة منذ كنت جاسوسة".
كراهية النساء
عندما انضمت بليم إلى مجتمع الاستخبارات الأمريكي، كانت الوكالة قد بدأت في تجنيد النساء في العمليات الاستخباراتية، بدلًا من أعمال السكرتارية وأدوار الدعم الأخرى "عندما بدأت التدريب الصارم لأصبح ضابطة عمليات ميدانية، نظرت حولي إلى النساء الموجودات بالفعل في الوكالة. لم يكن لمصطلحي "التحرش الجنسي" و"التمييز بين الجنسين"، ناهيك عن "الاعتداء الجزئي" و"التحيز اللاواعي"، أي معنى بالنسبة لمجموعتي الصغيرة من ضابطات العمليات".
وأضافت: "كان علينا -ببساطة- أن نقبل كراهية النساء العرضية التي كان ينشرها ذكور الوكالة. لقد أخبر صديقتي رئيسها، في مهمتها الأولى في إفريقيا، أنها يجب أن تعود إلى المنزل، وتتزوج، وتنجب طفلًا".
وفي أحيان أخرى، والحديث لا يزال لبليم، ذهبت الترقيات إلى الشباب الذكور، مقارنة بالزميلات اللاتي حققن نفس القدر من النجاح في تشغيل وتجنيد الجواسيس.
نمط التمييز
في عام 1992، كلفت وكالة المخابرات المركزية بإجراء دراسة حول التمييز، والتي وجدت أن الرجال ارتقوا إلى مراتب أعلى بكثير من النساء في المؤسسة. وبينما شغلت النساء 40% من المناصب المهنية في الوكالة، لكن 10% فقط من الوظائف في جهاز الاستخبارات العليا، الذي يتألف من كبار المسؤولين التنفيذيين في الوكالة.
وبينما يسلط كتاب "موندي" الضوء على أسطورة الوكالة المخيفة "إلويز بيج"، التي بدأت كسكرتيرة لمؤسس مكتب الخدمات الاستراتيجية -أول مكتب استخبارات أمريكي- وأصبحت أول رئيسة لمحطة بوكالة المخابرات المركزية في عام 1978. تلفت بليم إلى أن نساء الوكالة في السبعينيات لم يتم السماح لهن بالحصول على الدورات التشغيلية الكاملة في "المزرعة"، وهي منشأة التدريب الأساسية للمخابرات المركزية في فيرجينيا.
تقول: "هؤلاء النساء أثبتن قيمتهن، لقد نجحن في أعمال متنوعة".
لكن في عام 1994 رفعت ضابطات القضايا بالوكالة دعوى جماعية، زاعمات أن وكالة المخابرات المركزية "لديها نمط من التمييز على أساس الجنس". وفي تسوية عام 1995، اعترفت الوكالة بأنها "ارتكبت تمييزًا بشكل منهجي ضد عميلاتها السريات لسنوات"، كما ذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في ذلك الوقت.
هناك ثمن
يوضح كتاب موندي أن ضابطات وكالة المخابرات المركزية، صرن يتمتعن بوضع أفضل "لكنهن ما زلن يواجهن تمييزًا هادئًا وعوائق تحول دون تحقيق النجاح". رغم أن الوكالة "تسمح لبعض النساء بالإفلات من العقاب"، كما تقول بليم.
فقد تم التغاضي عن تأكيد أول مديرة لوكالة المخابرات المركزية "جينا هاسبل" عام 2018 استخدامها "أساليب الاستجواب المعززة -التعذيب- في التحقيقات"، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.
يُمكن قول الشيء نفسه عن فريدا بيكوسكي، المحللة السابقة في الوكالة، والمعروفة باسم "ملكة التعذيب" والتي ساعدت في التوصل إلى زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.
وتلفت العميلة الأمريكية السابقة إلى أن نساء الوكالة "قضين سنوات من القتال من أجل الحصول على البقايا، ليس فقط ضد نظرائهن من الرجال، ولكن ضد بعضهن البعض، هذه السنوات كان لها ثمن، ولا يزال هناك مناخ من الشك والمنافسة غير الصحية؛ وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الأمن القومي للولايات المتحدة".