"بدأت بمفتاح إنجليزي وانتهت بخيبة أمل".. هكذا تلخصت رحلة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك في إدارة دونالد ترامب، التي استمرت ما يزيد على 120 يومًا، أحدث خلالها جدًلا كبيرًا في المجتمع الأمريكي وخارجه.
وقبل 6 أشهر تقريبًا، انطلق ماسك لدعم ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وظهر اسمه باعتباره المتبرع الأكبر والأكثر شهرة في لجنة العمل السياسي الجمهوري، إذ تبرع بأكثر من 250 مليون دولار حتى ينجح ترامب.
الذراع اليمنى
ومنذ يوم التنصيب، أصبح ماسك رسميًا الذراع اليمنى لترامب في بداية فترة رئاسته الثانية، الذي أنشأ من أجله وزارة كفاءة الحكومة، كان هدفها الأوحد خفض القوى العاملة الفيدرالية، لكنها أثارت جدلًا كبيرًا واحتجاجات في الشارع الأمريكي لمئات المطرودين من عملهم.
"حان وقت إصلاح البلاد".. كانت تلك الكلمات هي الأولى في سلسلة من التغريدات التي أطلقها ماسك على منصة التواصل الاجتماعي إكس، كشف خلالها عن الطريقة التي سيقوم بالعمل بها، خلال فترة ما بعد تعيينه، مدرجًا مع التعليق صورة له وهو يحمل "مفتاح إنجليزي".
عمل شاق
واعترف ماسك خلال تلك التغريدات، أن عمله سيكون شاقًا وسيخلق له الكثير من الأعداء، لكنه في الوقت ذاته أكد أنه إذا نجح في تحقيق أهدافه من المنتظر أن ينتهي الأمر بنسبة أعلى من الخريجين الأذكى والأكثر طموحًا بالبلاد للعمل في الحكومة وليس في وادي السيليكون وول ستريت.
وعقب ذلك، تحرك الملياردير الأمريكي في كل اتجاه تقريبًا مستهدفًا الوزارات الحكومية والوكالات الفيدرالية، إذ فوجئ آلاف الموظفين والعاملين في أماكن مختلفة برسالة غامضة تخبرهم بالاستغناء عنهم تمامًا، ومنعوا من دخول العمل في اليوم التالي.
عدم استثناء أي جهة
كان ماسك يهدف في البداية إلى خفض ما يزيد على 2 تريليون دولار من خلال العملية، الهدف الذي تراجع عنه لاحقًا بشكل كبير، بحسب شبكة سي إن بي سي، وقبل رحيله أعلن أنه تمكن فقط من تخفيض 175 مليار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.
في خطته لم يستثني ماسك أي جهة، بحسب موقع الوزارة، بما في ذلك العاملون في وزارة الدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات، بجانب الصحة والخارجية والخدمات العامة والإسكان والتعليم والعمل.
الوكالات والمؤسسات
استهدف ماسك مكتب إدارة شؤون الموظفين ووزارة الأمن الداخلي والطاقة والتجارة والعدل والخزانة والزراعة والنقل وشؤون المحاربين القدامى، بخلاف عشرات الوكالات والمؤسسات الأمريكية المتخصصة في العلوم والفضاء والملاحة على رأسها ناسا.
كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي أحد أهم الأهداف التي كافح إيلون ماسك للسيطرة عليها، وتم تصنيفها من قبل ترامب وإدارته على أنها وكالة إجرامية، ووصفها ماسك ذاته، بأنها باتت عبارة عن كرة من الديدان لا يمكن إصلاحها ويجب التخلص من الأمر برمته.
احتجاجات شعبية
ولكن مع مرور الأيام، بدأت شعبية ماسك ووزارته في الانخفاض بصورة كبيرة، مع تصاعد احتجاجات الموظفين الذين تم طردهم بلا سبب من عملهم، وبحسب مجلة نيوزويك، طالب 30% من الأمريكيين عبر استطلاع رأي التخلص من تلك الوزارة.
وفي غضون ذلك، واجهت شركة تسلا انتقادات عالمية واسعة النطاق لدور ماسك المتزايد في السياسة، وشهدت أسهم الشركة انخفاضًا كبيرًا، كما واجهت منشآت تسلا موجة من المظاهرات السلمية وأعمال التخريب، بما في ذلك حرائق بمحطات الشحن.
منحى آخر
ولكن مالك منصة إكس، نفى فكرة وجود أي ضرر للعلامة التجارية، بسبب أنشطته السياسية المثيرة للجدل، وألقى باللوم في الاحتجاجات على المتظاهرين المأجورين، وأكد أن الانخفاض القياسي في مبيعات الشركة يعود إلى مشكلات اقتصادية كلية وعدم اليقين لدى مشتري السيارات.
داخل الإدارة الأمريكية، كانت الأمور بين ماسك ورجال ترامب بدأت تأخذ منحى آخر وتصاعدًا للخلاف بينهم، كان أبرز ذلك ما ذكرته شبكة سي إن إن، من الشجار الشهير بين ماسك ووزير الخزانة سكوت بيسنت.
الميزانية والفصل الأخير
دخل الرجلان في جدال حاد داخل الجناح الغربي للبيت الأبيض، بسبب قيام ماسك بتعيين مفوض لمصلحة الضرائب دون الرجوع إليه، ودارت بينهما مشادة كلامية ثم تبادلا الشتائم وجهًا وجهًا، بينما كانت رئيسة وزراء إيطاليا تجتمع مع ترامب في الغرفة المقبلة.
وبعد ما يزيد على 120 يومًا بقليل، تراجع ماسك تمامًا عن دوره في وزارة كفاءة الحكومة، وظهر لأول مرة وهو ينتقد مشروع ميزانية ترامب، وأعرب عن خيبة أمله من أن المشروع سيهدر كل الخطوات التي قام بها من أجل خفض الإنفاق غير الضروري في الحكومة الأمريكية.
وانتهى بذلك واحدًا من أكثر الفصول الجدلية ليس في إدارة ترامب فحسب، بل في تاريخ الرئاسة الأمريكية، التي لم تشهد من قبل هذا الصعود القوي من قبل لرجال الأعمال بالبيت الأبيض، وكتب على منصة "إكس" مختتمًا تلك الفترة قائلًا: "انتهى وقتي كموظف حكومي خاص وأشكر ترامب على هذه الفرصة".