الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حاكمهم جيش الاحتلال عسكريا.. جنود ينهارون نفسيا بعد القتال في غزة

  • مشاركة :
post-title
جنود ينهارون نفسيا بعد القتال في غزة - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في متاهة الحرب التي لا تنتهي، لم تعد قعقعة البنادق هي الصوت الوحيد الذي يدوي في أذهان الجنود الإسرائيليين؛ بل بات صدى الصدمة النفسية يعلو ليحجب كل ضجيج، في قطاع غزة، وفي تقرير جديد لموقع "هاماكوم" الإسرائيلي، تُكشف فصول صادمة عن محاكمة جنود من لواء ناحال بجيش الاحتلال الإسرائيلي، ليس لأنهم خالفوا الأوامر الميدانية، بل لأنهم اعترفوا بعدم قدرتهم النفسية على الاستمرار في القتال.

جنود أنهكهم القتال

بعد سبعة عشر جولة قتال لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وقف عدد من مقاتلي الكتيبة 931 من لواء ناحال أمام محكمة عسكرية، ليس بسبب تقصير في المهام، بل لأنهم أفصحوا عن معاناتهم النفسية ورفضوا تنفيذ أمر دخول إضافي إلى القطاع.

الجنود، الذين التحقوا بصفوف الجيش في أغسطس 2022، وجدوا أنفسهم في أتون أطول حرب عرفها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه، دون أن يحظوا بفترات راحة كافية أو دعم نفسي حقيقي.

في الأسبوع الماضي، بادر عدد من هؤلاء الجنود بالاتصال بقائد الكتيبة، حسب "هاماكوم"، وأخبروه بأنهم في حالة ضائقة نفسية شديدة تمنعهم من تنفيذ أوامر جديدة بالعودة إلى ساحة القتال في غزة، لكن الرد لم يكن تفهمًا أو حتى إحالة عاجلة إلى الطواقم النفسية، بل كان تهديدًا صريحًا بالسجن وغرامة مالية بلغت 1500 شيكل لكل منهم.

"لقد قاتلنا لأشهر، فقدنا أصدقاء، وبذلنا أقصى ما نستطيع، لم نعد قادرين نفسيًا على الاستمرار"، قال أحد الجنود، في حديث نقله موقع "هاماكوم".

جحيم نفسي مستمر

لم يكن من المفترض أن تستمر خدمتهم إلى هذا الحد، فحسب الخطط الأصلية، كان من المفترض أن يُسرَّح هؤلاء الجنود في أبريل الماضي، بعد انتهاء فترة الخدمة الإلزامية، لكن، وفي ظل إعلان حالة الطوارئ وتمديد الخدمة العسكرية لكافة الجنود النظاميين الإسرائيليين، وُضع هؤلاء المقاتلون تحت الأمر العسكري رقم 8، ما يعني تمديد خدمتهم دون سقف زمني واضح.

فقد خاض هؤلاء الجنود 17 جولة قتالية داخل قطاع غزة، شاركوا خلالها في اشتباكات مباشرة، دون الحصول على دعم نفسي حقيقي أو إجازات استشفائية كافية، على عكس جنود الاحتياط الذين حصلوا على فترات راحة نسبية، حسب "هاماكوم".

بحسب ما كشفته والدة أحد الجنود الذين حوكموا، فإن قائد السرية في الكتيبة لم يُبدِ أي تفهُّم، بل استخدم لغة حادة ومهدِّدة، وأضافت: "كان بإمكانهم فتح باب الحوار، بدلًا من إصدار الأحكام، أبناؤنا بشر، وليسوا آلات قتالية لا تتوقف".

الأمر لا يتعلّق فقط بالعقوبات والغرامات، بل بغياب التعاطف والإنصات داخل المنظومة العسكرية، وبحسب الجنود، فإن قائد الكتيبة لم يستمع حتى إلى وصف معاناتهم النفسية، واكتفى بالتهديد والتلويح بالسجن.

ويُذكر أن القائد الحالي تولّى منصبه منذ خمسة أشهر فقط، بعد أن اضطر سلفه إلى تركه لأسباب تتعلق بصحته النفسية، في مفارقة تعكس عمق الأزمة النفسية التي تطال حتى القادة.

الرفض الرمادي

في أكتوبر 2024، نشرت الصحفية ريفيتال هوفيل تحقيقًا استقصائيًا في موقع "هاماكوم" بعنوان "الرفض الرمادي"، كشف عن ظاهرة خطيرة آخذة بالاتساع بين الجنود النظاميين، تتمثّل في الرفض غير المُعلن للمهام القتالية نتيجة الضغوط النفسية الهائلة.

تبيّن من خلال سلسلة من الشهادات أنّ العديد من الجنود، ممن يخدمون في وحدات المشاة المختلفة، يعيشون حالة من الانهيار النفسي الصامت، دون أن يتلقوا الدعم أو حتى التقدير اللازم من قادتهم، بل إنّ منظومة الصحة النفسية في الجيش تبدو مصمّمة لتعطيل الوصول إلى العلاج لا تسهيله، خشية من تزايد أعداد طالبي الإعفاء.

تعقيبًا على التقرير، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إن "قائد الكتيبة أجرى محادثة مع الجنود، وأكّد خلالها أن القيادة على وعي تام باحتياجاتهم، وتدعوهم إلى حوار شخصي ومفتوح".

وأضاف المتحدث أن الجيش يوفّر ورشًا نفسية وتجهيزية للمقاتلين قبل دخول أراضي غزة وبعد انتهاء المهام القتالية، غير أن هذه التصريحات، بحسب شهادات الجنود أنفسهم، لا تعكس الواقع على الأرض، حيث لا يشعرون بوجود هذه الورش بشكل فعّال، ولا يجدون في قادتهم من يصغي أو يستوعب معاناتهم.

فشل مؤسسي

وحسب "هاماكوم"، فلا يُمكن فهم قصة هؤلاء الجنود كحادثة معزولة، بل هي انعكاس لأزمة أوسع تضرب المنظومة العسكرية الإسرائيلية، التي تُقدّس الجاهزية القتالية وتُهمّش الجاهزية النفسية.

الحديث عن جنود ينهارون نفسيًا بعد أشهر من القتال المستمر دون دعم، ويُقابلون بقرارات عقابية، يفتح الباب على أسئلة أخلاقية ومهنية حول طبيعة التعامل مع الأفراد في ظل الصراع العسكري المستمر.