تتصاعد أزمة نفسية خانقة في إسرائيل، إذ يُعاني نحو ثلاثة ملايين شخص من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب أو القلق دون تلقي العلاج اللازم، ويكشف تقرير حديث صادر عن مراقب الدولة الإسرائيلي عن سلسلة من الإخفاقات الخطيرة في تعامل الحكومة ووزارة الصحة مع تداعيات الحرب وأحداث 7 أكتوبر.
مراقب الدولة الإسرائيلي أشار إلى أوجه قصور جسيمة في تقديم الرعاية النفسية للمتضررين، إذ يعكس التقرير صورة قاتمة لنظام صحي نفسي غير مهيأ لمواجهة كارثة بهذا الحجم، مما يترك مئات الآلاف من الإسرائيليين في مواجهة مصير مجهول.
عواقب نفسية كارثية للحرب
بحسب استطلاع أجراه مكتب مراقب الدولة في أبريل 2024، أفاد ثُلث السكان البالغين بأنهم يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو اكتئاب متوسط إلى شديد، بينما أبلغ 21% آخرون عن أعراض القلق، ويكشف التقرير أن وزارة الصحة لم تكن مُستعدة لتقديم المساعدة النفسية لمئات الآلاف، رغم وجود سيناريو سابق يفرض ضرورة الاستعداد لإخلاء واسع النطاق للسكان.
في مارس 2024، كانت التقديرات تشير إلى أن 520 ألف شخص معرضون لخطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، لكن بعد أقل من عام، ارتفع العدد بشكل غير مسبوق ليصل إلى نحو ثلاثة ملايين شخص يعانون من أعراض نفسية متفاوتة، ووفقًا لوزارة الصحة الإسرائيلية، فإن نحو 340 ألف شخص يعانون من ضعف وظيفي كبير بسبب تداعيات الحرب، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 680 ألفًا في المستقبل القريب.
فجوة خطيرة في تقديم العلاج
رغم ارتفاع معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية، لم يسعَ 900 ألف شخص لتلقي العلاج، والسبب الرئيسي في ذلك هو طول فترات الانتظار، والتي تصل إلى 6.5 أشهر في المتوسط للحصول على موعد في عيادات الصحة النفسية التابعة لصناديق التأمين الصحي.
أما بالنسبة للنازحين، فقد تلقى 11% فقط منهم الرعاية الصحية النفسية خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، أي ما يعادل 23 ألف شخص ممن تعرضوا لصدمات شديدة، وتشير البيانات إلى أن أطفال منطقة سديروت كانوا الأكثر تأثرًا نفسيًا، حيث يعتقد 39% من الآباء أن أطفالهم يعانون من القلق والتوتر الشديد، ومع ذلك، لم يتلق سوى 4% منهم المساعدة النفسية بحلول نهاية مارس 2024.
فشل حكومي وإهمال إداري
رغم التحذيرات المُبكرة، لم تستعد وزارة الصحة الإسرائيلية للتعامل مع الأزمة النفسية الناجمة عن الحرب، واعتمدت بشكل كبير على المتطوعين في تقديم الرعاية النفسية، دون وجود أي إشراف مهني أو توثيق رسمي للعلاجات المقدمة.
وأدى غياب الإدارة الفعّالة إلى عدم توفر معلومات دقيقة حول هوية المتطوعين وخلفياتهم المهنية، ما تسبب في تقديم خدمات علاجية غير موثوقة، وأحيانًا غير ملائمة للمرضى.
وأظهر تقرير المراقب الإسرائيلي أن الوزارة لم تقم بتحديث خططها للطوارئ منذ عام 2001، ولم تتخذ أي تدابير لضمان تقديم خدمات الصحة النفسية في حالات الإخلاء الجماعي، رغم وجود توقعات تشير إلى احتمال نزوح نحو 300 ألف شخص.
انتشار الأسلحة
في خضم هذه الأزمة النفسية غير المسبوقة في إسرائيل، أصبح الحصول على الأسلحة النارية أسهل من أي وقت مضى، بفضل إصلاحات أجراها وزير الأمن الوطني السابق، إيتمار بن جفير، وخلال العام الأول من الحرب، قُدّم نحو 350 ألف طلب للحصول على تراخيص أسلحة، أي أكثر من ثمانية أضعاف العدد المعتاد، والأخطر من ذلك، أن وزارة الأمن الوطني ووزارة الصحة الإسرائيليتين لم تضعا أي آليات لضمان خضوع المتقدمين للفحوص النفسية اللازمة.
وفقًا للتقرير، تراجعت نسبة الإحالات الطبية لمقدمي طلبات التراخيص من 10% عام 2020 إلى 3% فقط في 2023-2024، رغم أن نسبة المصابين بأمراض نفسية تضاعفت، ويثير ذلك مخاوف من أن أشخاصًا يعانون من اضطرابات نفسية قد يحصلون على أسلحة بسهولة، مما يزيد من خطر العنف والانتحار.
إهدار المليارات دون تحقيق نتائج
بعد اندلاع الحرب، خصصت الحكومة الإسرائيلية 2.3 مليار شيكل لقطاع الصحة النفسية للعامين 2024-2025، بهدف تحسين الخدمات وتقليل فترات الانتظار، ومع ذلك، لم تؤدِّ هذه الميزانية إلى أي تغيير ملموس، حيث لم تضع وزارة الصحة أي مؤشرات لقياس مدى نجاح استخدامها.
وفي ظل غياب الرقابة، لم يكن لدى وزارة الصحة أي بيانات عن كيفية إنفاق هذه الميزانية بحلول يونيو 2024، مما يعني أن الأموال المخصصة لإنقاذ قطاع الصحة النفسية لم تحقق أي نتائج ملموسة، وظلت فترات الانتظار طويلة، واستمرت معاناة المرضى دون علاج.