الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أول اختبار لـ"كارني".. كواليس ليبرالية تُعيد تعريف الزعامة في كندا

  • مشاركة :
post-title
مارك كارني رئيس وزراء كندا

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في ممرات السياسة الكندية، ثمة ما يُطبخ في الخفاء، ويُرتّب وراء الأبواب المغلقة، فها هو مارك كارني، الذي لم يجف حبر تعيينه رئيسًا لوزراء كندا، يجد نفسه محاطًا بلعبة مبكرة لا تستهدفه شخصيًا، كما يؤكد خصومه داخل الحزب، لكنها وفق تعبيرهم "حتمية ديمقراطية" لتجنّب تكرار التجربة الترودوية الثقيلة.

وحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن هناك كواليس في هذا الحراك الليبرالي اللافت، الذي يجمع بين الثناء الحذر والاستعداد لخلع القائد الكندي إذا اختلّت الموازين.

انقلاب ناعم

في أقل من شهر على تولّيه منصبه، بدأ مارك كارني يواجه أول تحدٍّ داخلي من ذات الحزب الذي حمله إلى رئاسة الوزراء، فالليبراليون في أوتاوا لا ينتظرون اختبار الزمن لمعرفة مدى صواب قرارهم، بل يفكرون بشكلٍ علني خلف الأبواب المغلقة في آلية إقالته، إذا استدعت الحاجة في المستقبل.

مصادر من داخل الحزب الليبرالي تحدثت لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، مؤكدة أن الأمر لا يُدار بنوايا عدائية، بل كإجراء وقائي لضمان عدم تكرار تجربة جاستن ترودو، الذي بقي في منصبه رغم اهتزاز الثقة داخليًا وخارجيًا، ولم يكن بالإمكان خلعه إلا إذا استقال طواعية.

وفي هذا السياق، يستعد نواب الحزب الليبرالي للتصويت على اعتماد ما يُعرف بـ"قانون الإصلاح الكندي"، والذي يتضمن في جوهره منح الكتلة البرلمانية صلاحية عزل زعيم الحزب أو طرد أي عضو منها، في محاولة لإعادة التوازن داخل النظام البرلماني الكندي.

سلطة الكتلة فوق الزعامة

يأتي هذا التصويت في توقيت حساس للغاية، فعشية افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، يُعقد أول اجتماع للكتلة الليبرالية منذ الانتخابات الأخيرة، وسيكون أول بند على جدول الأعمال التصويت على تبنّي القواعد التي ينص عليها قانون الإصلاح، وفي مقدمتها إمكانية عزل الزعيم من منصبه.

النائبة الليبرالية صوفي شاتيل، في تصريح وفق "بوليتيكو"، اعتبرت أن إخضاع كارني لهذه القواعد سيكون "لفتة رمزية قوية"، مؤكدة أن ذلك يدل على ثقة الحزب في قدرة الزعيم الجديد على قيادة الكتلة، مع توجيه رسالة قاطعة إلى الرأي العام والنواب مفادها أن زمن التفرد بالقرار قد انتهى.

وأضافت شاتيل: "هذه خطوة لإظهار التزامنا بتجديد العلاقة بين القيادة السياسية والكتلة البرلمانية، بعيدًا عن النهج المركزي والمسيطر الذي كان يطغى في عهد ترودو".

تجربة ترودو

ظلّ ترودو لا يزال حاضرًا في أذهان الكثير من النواب الليبراليين، ليس فقط كرئيس وزراء سابق، بل كرمز لفترة اعتُبرت استبدادية داخلية من قبل بعض أعضاء الكتلة، فخلال أكثر من تسع سنوات قضاها في السلطة، كان مكتب ترودو يتمتع بنفوذ واسع، مع تقارير متكررة عن تهميش دور النواب المنتخبين في اتخاذ القرارات الجوهرية.

هذا السياق هو ما يدفع بعض النواب الآن للمطالبة بضمانات داخلية تمنع تكرار ما حدث، خصوصًا بعدما اضطروا للانتظار الطويل حتى أعلن ترودو قراره بالتنحي طواعية، دون وجود آلية قانونية داخل الحزب تتيح للكتلة إرغامه على الرحيل.

ووصف أحد النواب الليبراليين قانون الإصلاح بأنه "آلية تذكّر الزعيم بأنه ليس أكثر من ممثل مؤقت عن الكتلة التي منحته الثقة"، في حين قال آخر إنه "ضمانة ضرورية لمنع تحول القيادة إلى سلطة غير خاضعة للمساءلة".

البرلمان الكندي
خوف من ضغط على النواب الجدد

من بين أبرز النقاط التي أثارت جدلًا داخليًا حول هذا التصويت، هو ما إذا كان الاقتراع سيتم بشكل سري أم لا، فبعض النواب عبّروا عن تخوفهم من أن يمارس مكتب رئيس الوزراء ضغوطًا على النواب الجدد لتوجيه تصويتهم، وهي ممارسة، كما قالت مصادر وفق "بوليتيكو"، لم تكن غريبة خلال فترة حكم ترودو.

وقال أحد النواب: "لا أحد يريد أن يُمسك وهو يحمل سكينًا خلف ظهر رئيس الوزراء". هذا التصريح، رغم طرافته الظاهرة، يكشف عن حجم التوتر المحيط بهذا الإجراء.

ويعتقد مراقبون أن إمكانية تمرير التصويت ستتوقف إلى حد بعيد على اتخاذ قرار بإجراء الاقتراع بشكل سري، ما سيمنح النواب حرية أكبر في اتخاذ موقفهم دون خوف من العواقب السياسية.

قانون الإصلاح الكندي

قانون الإصلاح الكندي، الذي يعود إلى عام 2015، وُلد بمبادرة من النائب المحافظ مايكل تشونج، بهدف تقليص سلطة قادة الأحزاب ومنح البرلمان أدوات رقابية أكبر، إلا أن الليبراليين، وتحديدًا خلال فترة ترودو، لم يُظهروا أي حماس لتبني هذا القانون، بل تجنّبوا حتى مناقشته.

تكشف مصادر داخل الحزب، وفقًا لـ"بوليتيكو"، أن مكتب ترودو كان يعيّن وزراء كبارًا في الحكومة لإشغال النواب عن النقاش حول هذا القانون، والآن، بعد رحيل ترودو، يسعى الليبراليون لطيّ صفحة تلك الحقبة من خلال إقرار القانون كآلية ديمقراطية داخلية تضمن المساءلة والاستجابة لتبدل الظروف السياسية.

يُشار إلى أن حزب المحافظين الكندي استخدم هذا القانون عام 2022 لعزل زعيمته السابقة إيرين أوتول، ما يُثبت فعالية هذه الآلية في تغيير القيادة حينما تفتقد الثقة البرلمانية.

كارني بين الصمت والترقب

من جانبه، بدا مارك كارني مدركًا لحساسية المرحلة، لكنه اختار أن يلتزم الصمت التكتيكي بشأن جوهر التصويت المرتقب، وقال في تصريح مقتضب الأسبوع الماضي: "أدرك أن هذا التصويت سيجري، ستكون هناك أصوات".

ويُفهم من ردّه المختصر أن كارني يحاول أن يُبقي نفسه فوق الجدال الداخلي، معتمدًا على دعم الأغلبية داخل الحزب حتى الآن، دون أن يغفل احتمالية تغير المزاج البرلماني في المستقبل.

ما يجري داخل الحزب الليبرالي الكندي هو محاولة لإعادة تعريف العلاقة بين القيادة السياسية والنواب البرلمانيين، بعد سنوات من "المركزية المطلقة" التي مارسها ترودو، ورغم أن كارني لا يُعد موضع خلاف حتى الآن، إلا أن استعداد حزبه المبكر لوضع أدوات لمساءلته، بل لإقالته إن استدعى الأمر، يكشف عن نضج سياسي بدأ يتشكل داخل الطبقة الحاكمة.

الرسالة واضحة، وهي "لا أحد محصن ضد النقد أو العزل، حتى وإن كان مدعومًا بالإنجازات والمؤهلات"، إنها ديمقراطية كندية بطابع أكثر واقعية، وربما قسوة، لكنها كما يقول أحد النواب ضرورية "كي لا يتحول الزعيم إلى ملك لا يُمسّ".