بدأ مارك كارني، رئيس الوزراء الكندي الجديد، جولة أوروبية تشمل فرنسا والمملكة المتحدة، في مسعى لتعزيز التحالفات الأوروبية في مواجهة الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضد كندا، في حين تأتي هذه الزيارة في ظل تصاعد التوتر بعد فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات الكندية وتصريحاته المثيرة للجدل حول إمكانية جعل كندا "الولاية الأمريكية الـ51".
رحلة رمزية لتأكيد الهوية الكندية المستقلة
تشير صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، إلى أن كارني اختار عن عمد أن تكون أولى زياراته الخارجية لعاصمتي فرنسا والمملكة المتحدة، البلدين اللذين شكلا الوجود الكندي المبكر.
وفي مراسم أدائه اليمين الدستورية، أكد كارني أن كندا بُنيت على أساس 3 شعوب "السكان الأصليين والفرنسيين والبريطانيين"، مشددًا على أن بلاده مختلفة جوهريًا عن الولايات المتحدة وأنها "لن تكون أبدًا، بأي شكل من الأشكال، جزءًا من الولايات المتحدة".
وكشف مسؤول حكومي كبير للصحفيين، بحسب ما نقلت الصحيفة البريطانية، أن الهدف من الزيارة "مضاعفة الشراكات مع الدولتين المؤسستين لكندا".
وأضاف المسؤول أن كندا "صديق جيد للولايات المتحدة لكننا جميعًا نعرف ما يجري".
برنامج مكثف
من المقرر أن يلتقي كارني، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس، ثم ينتقل إلى لندن للقاء رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في محاولة لتنويع التجارة وتنسيق استجابة للتعريفات الجمركية، التي فرضها ترامب، كما سيلتقي الملك تشارلز الثالث، رئيس الدولة الكندية.
وتسلط الصحيفة الضوء على زيارة كارني إلى المملكة المتحدة، إذ تعتبر ذات أهمية خاصة لكارني، وسبق له أن شغل منصب محافظ بنك إنجلترا، ليكون أول مواطن غير بريطاني يتولى هذا المنصب في تاريخ البنك الممتد لأكثر من 300 عام.
"عامل ترامب"
يؤكد المحللون السياسيون أن الدافع الرئيسي وراء هذه الزيارة هو مواجهة ما يعرف بـ"عامل ترامب".
وفي السياق ذاته، يقول نيلسون وايزمان، أستاذ فخري في جامعة تورنتو: "عامل ترامب هو السبب وراء الرحلة. عامل ترامب يطغى على كل شيء آخر يجب أن يتعامل معه كارني".
ومنذ فوزه في انتخابات نوفمبر 2024، وتوليه السلطة يناير 2025، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لهجته تجاه الجارة الشمالية.
ولم يكتفِ بفرض رسوم جمركية شاملة، بل أثار غضب الكنديين بتصريحاته المتكررة حول جعل كندا "الولاية الأمريكية الـ51"، ما دفع العديد من الكنديين إلى مقاطعة السلع الأمريكية.
وأكد كارني استعداده للقاء ترامب إذا أظهر احترامًا للسيادة الكندية، مضيفًا أنه لا يخطط لزيارة واشنطن في الوقت الحالي، لكنه يأمل في إجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي قريبًا.
التداعيات الاستراتيجية
بدأت حكومة كارني بالفعل في اتخاذ إجراءات استجابة للأزمة، إذ تراجع صفقة شراء مقاتلات F-35 الأمريكية الصنع، في خطوة تعكس الأبعاد الأمنية للحرب التجارية المتصاعدة.
ومن المفارقات السياسية، أن الحزب الليبرالي الحاكم، قد يستفيد الآن من الموقف العدائي للرئيس الأمريكي، ما قد يمكن الحزب وزعيمه الجديد، كارني، من تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات المقبلة.
تحديات أمنية متزايدة في القطب الشمالي
تعتبر سيادة القطب الشمالي قضية محورية لكندا، خاصة في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة.
وفي هذا الصدد، يقول دانيال بيلاند، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل بمونتريال: "إن حديث الرئيس ترامب العدواني عن كل من كندا وجرينلاند والتقارب الظاهر بين روسيا، وهي قوة قطبية قوية، والولايات المتحدة تحت قيادة ترامب، زاد من القلق بشأن سيطرتنا على هذه المنطقة النائية والاستراتيجية للغاية".
تنويع الشراكات التجارية وتقليل الاعتماد
يؤكد المحللون بحسب ما تشير "ذا جارديان" أن تنويع التجارة الكندية أصبح ضرورة استراتيجية، في ظل الظروف الراهنة، وفي هذا الصدد يشير بيلاند إلى أنه "ضروري بشكل مطلق" أن تنوع كندا اقتصادها وسط الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، خاصة وأن أكثر من 75% من صادرات كندا تذهب إلى الولايات المتحدة.
ويرى روبرت بوثويل، أستاذ التاريخ الكندي والعلاقات الدولية في جامعة تورنتو، أن كارني كان حكيمًا بعدم زيارة ترامب.
وقال بوثويل للصحيفة البريطانية: "لا جدوى من الذهاب إلى واشنطن.. كل ما ينتج عن ذلك هو محاولة فظة من ترامب لإذلال ضيوفه".
وأضاف أن ترامب يطالب بالاحترام، "لكنه غالبًا ما يكون طريقًا ذا اتجاه واحد، إذ يطلب من الآخرين التخلي عن احترامهم لذاتهم للانحناء لإرادته".