الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

خلل محتمل: كيف يتأثر اقتصاد الشرق الأوسط بضربات أمريكا للحوثيين؟

  • مشاركة :
post-title
ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم الأمريكي- تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الـ 15 من مارس، وجه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بإطلاق ضربات عسكرية واسعة على جماعة "الحوثي" في اليمن؛ وتأتي تلك الضربات ردًا على هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر التي بدأت في نوفمبر 2023، على حد قول الولايات المتحدة، ويُعتبر هذا الرد هو الأول من نوعه منذ تولي ترامب الرئاسة في يناير 2025. ونتيجة لهذه الضربات، تأثرت سوق النفط بشكل مباشر، إذ إن هذه السوق من الأسواق شديدة الحساسية لأي توتر إقليمي أو دولي.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى أهداف الضربات الأمريكية على جماعة الحوثي، تأثيراتها المباشرة في سوق النفط، وفي منطقة الشرق الأوسط، بالتحديد قطاع غزة.

ومن الجدير بالذكر هنا أن الحوثيين مروا خلال هجماتهم بخمس مراحل، المرحلة الأولى تتمثل في الهجوم على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بدءًا من نوفمبر 2023، بينما جاءت المرحلة الثانية في ديسمبر 2023 لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، فضلًا عن السفن ذات الروابط المباشرة وغير المباشرة بإسرائيل اعتبرت أهدافًا.

والمرحلة الثالثة في يناير 2024، شملت السفن المرتبطة بالولايات المتحدة وبريطانيا، والمرحلة الرابعة في مايو 2024 شملت السفن التي يمتلك مالكوها أو مشغلوها سفنًا تزور الموانئ الإسرائيلية، وأخيرًا جاءت المرحلة الخامسة في يوليو 2024 مع إطلاق الحوثيين طائرة "يافا" المُسيرة على تل أبيب.

الضربات الأمريكية ضد جماعة الحوثي
أهداف الهجوم

تتمثل أهداف الهجوم الأمريكي على جماعة الحوثي فيما يلي:

(-) وقف أنشطة الحوثيين: وضحت مقابلة وزير الدفاع الأمريكي "بيت هيجسيث" مع برنامج "صنداي مورنينج فيوتشرز" على قناة فوكس نيوز، أن الضربات الأمريكية على الحوثي ستكون بلا هوادة، وأنها ستستمر حتى تتوقف الجماعة عن استهداف السفن واستهداف الأصول، ومن هنا يتضح أن ترامب قرر إيقاف اعتراض الحوثيين للتجارة العالمية وتأمينه لأهم ممر تجاري بحري في العالم.

(-) إضعاف الجماعة: يستهدف هذا الهجوم الأمريكي بالأساس إضعاف القوة العسكرية لجماعة الحوثي، من خلال قتل قيادتها، إذ صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي بأن الضربات الأمريكية قضت على عدد من قادة الحوثيين، إذ استهدفت الغارات منزل حسن عبدالقادر شرف الدين، المسؤول عن المخصصات المالية لتجارة النفط والغاز لدى الحوثيين، ومنزل عبدالملك الشرفي، وهو من القيادات الأمنية التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية للحوثيين.

(-) الضغط على إيران: يوجه دونالد ترامب رسالة واضحة للجانب الإيراني من خلال هذا الهجوم، مضمونها استحالة امتلاك إيران لسلاح نووي، إذ صرح بأن جميع الخيارات مطروحة لضمان عدم امتلاكها له، وهو الأمر الذي يتضح من أن الهجوم جاء بعد رسالة حاسمة من ترامب إلى إيران، سُلمت إلى مجلس الأمن القومي الإيراني، في محاولة لبدء المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يتقدم بسرعة.

ومن هنا جاءت الضربات الأمريكية ضد جماعة الحوثي، في سبيل الضغط على الجانب الإيراني الذي يُعتبر من وجهة النظر الأمريكية الممول والمدرب الأساسي لهذه الجماعة، إذ صرح ترامب يوم السبت 15 مارس بأنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أمريكا ستُحاسبهم بالكامل، ولن تتهاون في ذلك، ومن ناحية أخرى يأتي الهدف غير المباشر في أن تعيد إيران النظر في التخلي عن برنامجها النووي.

تأثيرات اقتصادية

تتجسد التأثيرات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للضربات الأمريكية ضد جماعة الحوثي في النقاط التالية:

أولاً: التأثيرات المباشرة

الشكل (1) يوضح سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط

(-) ارتفاع أسعار النفط: نتج عن تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة مهاجمة الحوثيين في اليمن، حدوث صدمة تصاعدية في سوق النفط، إذ ارتفعت أسعار النفط بنحو 1% في مستهل تعاملات يوم الاثنين، فكما يوضح الشكل (1) ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بمقدار 62 سنتًا إلى 67.80 دولار للبرميل في 17 مارس حتى وقت كتابة التحليل، وذلك بعد الهجوم الذي حدث يوم 15 مارس، إذ إن سعره قبل الهجوم بلغ 66.44 دولار للبرميل في 13 مارس، وبذلك يُمكن وصفه بأنه أعلى مستوى ارتفاع منذ الخامس من مارس، حيث سجل 66.35 دولار.

ومن ناحية أخرى، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 63 سنتًا أو 0.9%، لتبلغ 71.06 دولار للبرميل في يوم الاثنين الساعة العاشرة وثُلث صباحًا بتوقيت جرينتش، ويرجع هذا الارتفاع إلى تصور السوق بأن الضربات تُشير إلى تصعيد الصراع.

وبالرغم من ذلك لا يُمكن وصف هذا الارتفاع بالارتفاع الكبير، إذ إن أي زيادة في أسعار النفط نتيجة لهذه الهجمات ستكون مؤقتة، ولن تتجاوز دولارًا إلى دولارٍ ونصف الدولار فقط، وذلك في حالة عدم التصعيد بين الطرفين، حيث إنه إذا تطورت الأمور في البحر الأحمر، ستشهد سوق النفط موجة تضخمية أخرى.

ويُذكر أنه في بداية شهر مارس 2025 انخفضت أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها؛ بسبب التوقعات المُستقبلية الضبابية حول الحرب التجارية العالمية، ومحادثات وقف إطلاق النار التي تهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتوقعات بعودة الإنتاج الروسي بطاقته كاملة إلى السوق العالمي.

(-) احتمالية تأثُر البورصات: على الرغم من عدم ظهور تأثير حتى وقت كتابة التحليل على البورصات العالمية، فإن العديد من خبراء المال أوضحوا أن الأسواق المالية تُراقب الوضع بحذر، وأن التأثير يعتمد على حجم التصعيد ومدى استمراريته، وبالتالي إذا حدث السيناريو الذي يُفيد باحتمالية استمرار الضربات الأمريكية لفترة أطول، سيظهر تأثير كبير على البورصات الإقليمية والعالمية في الأيام المُقبلة، خاصة مع عودة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإنهاء وقف إطلاق النار.

التأثيرات الاقتصادية للهجوم الأمريكي على جماعة الحوثي باليمن
ثانيًا: التأثيرات غير المباشرة

إن إعلان واشنطن استمرار الهجمات ضد الحوثيين، سيؤثر على منطقة الشرق الأوسط على النحو التالي:

(-) تراجع حركة التجارة: اشتعال المواجهات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الحوثي في منطقة الشرق الأوسط، من شأنه أن يعمل على تباطؤ حركة التجارة على ساحل البحر الأحمر، إذ إن من 10 إلى 15% من التجارة العالمية تستخدم هذا الطريق، وهو الأمر الذي يؤثر على حركة تدفق السلع والخدمات.

وفي السياق ذاته، فإن الضربات المتبادلة بين الطرفين ستتسبب في حالة من عدم الاستقرار بساحل البحر الأحمر ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، إذ نجد أنه ردًا على الغارات الأمريكية، أعلن الحوثيون مهاجمة حاملة طائرات أمريكية في البحر الأحمر، مع توعدهم بضرب سفن شحن أخرى، وهو الأمر الذي ربما يُشعل فتيل توترات إقليمية أكبر بين الإدارة الأمريكية وجماعة الحوثي وإيران.

(-) احتمالية عودة التضخم: عانت دول منطقة الشرق الأوسط من معدلات تضخم مرتفعة؛ بسبب التوترات الإقليمية المُتفاقمة جراء الحرب في غزة، وبعد أن بدأت في استعادة أنشطتها الاقتصادية والتجارية في أعقاب دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ والهدوء النسبي في منطقة البحر الأحمر، انخفضت معدلات التضخم بداخلها كما يوضح الشكل (2)، ففي مصر انخفض معدل التضخم من 24% في يناير 2025 إلى 12.8% في فبراير 2025، وفي الأردن انخفض من 2.3% إلى 2.1%.

وفي ظل عودة حدة تفاقم التوترات الإقليمية مع الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، ومع تجدُد العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، من المتوقع أن تستمر أزمة التضخم داخل العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يستنزف من موارد هذه الدول، ويضغط على ميزانيتها بشكل كبير.

الشكل (2) يوضح معدلات التضخم في مصر والأردن في يناير 2025 وفبراير 2025

(-) انخفاض العائدات الدولارية: إن مؤشر عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، يعمل على خفض معدلات السياحة والاستثمار، خاصة الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن انخفاض عوائد التجارة الخارجية، وهو الأمر الذي يعمل على انخفاض تدفق النقد الأجنبي داخل دول المنطقة.

وعلى هذا النحو فقدت الدولة المصرية نحو 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس خلال 11 شهرًا، كما أوضح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الدولة تتكبد 800 مليون دولار شهريًا من إيرادات قناة السويس؛ بسبب الأوضاع في المنطقة.

كما انخفض الدخل السياحي للأردن خلال عام 2024 بنسبة 2.3%، بالمقارنة بعام 2023، ومن هنا يتوقع بشكل كبير في حالة استمرار الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، أن تنخفض إيرادات هذه القطاعات داخل دول المنطقة، مما يؤثر سلبًا على احتياطاتها الأجنبية.

وعليه يُمكن القول، إن منطقة الشرق الأوسط لم تُعد قادرة على تحمل مزيد من التوترات التي تؤثر بشكل كبير على اقتصادات دولها، فالأمر يحتاج إلى إدارة سياسية للوضع بشكل أكثر حكمة، فبدلًا من قيام واشنطن بضرب الحوثيين وإشعال المنطقة، كان الطريق الأسلم والأكثر رشادة هو الضغط على الجانب الإسرائيلي بوقف انتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني؛ حتى تنعم المنطقة بالاستقرار.