الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مكامن القوة.. كيف تتحرك مستويات التعاون في منظمة الدول الثماني النامية بعد اجتماع القاهرة؟

  • مشاركة :
post-title
القمة الـ 11 لمجموعة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي (D-8) بالقاهرة

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

في يوم الخميس 19 ديسمبر 2024، انعقدت قمة منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي "D-8" في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر، تحت عنوان "الاستثمار في الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: نحو تشكيل اقتصاد الغد"، وجمعت القمة قادة الدول الأعضاء في المنظمة وعددًا من قادة الدول النامية وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية؛ بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وفتح آفاق جديدة للاستثمار، وتحسين موقعها في الاقتصاد العالمي، مع التركيز على تمكين الشباب ودعم ريادة الأعمال كركائز أساسية للنمو المستدام.

وعلى الرغم من مرور 27 عامًا على نشأة هذه المنظمة التي تأسست عام 1997، لكن تطورها لم يتمكن من تحسين الأداء الاقتصادي للدول الأعضاء فيها بما يمكنها من التنافس عالميًا. وجاء في إعلان القمة الأول "إسطنبول 1997" أن الهدف الأساسي لمجموعة الثماني هو التنمية الاجتماعية والاقتصادية وفق مبادئ مثل: السلام بدلًا من الصراع، الحوار بدلًا من المواجهة، التعاون بدلًا من الاستغلال، العدالة بدلًا من الكيل بمكيالين، المساواة بدلًا من التمييز، الديمقراطية بدلًا من القمع. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من عقدين ونصف، لاتزال تواجه عملية التنمية في دول مجموعة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي العديد من العقبات.

وفي هذا السياق، تُثار العديد من التساؤلات مثل: كيف يمكن تفعيل أُطُر التعاون لدى هذه المنظمة بما يحقق هدفها الأساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدولها؟، وماذا عن الجهود والمبادرات المصرية في هذا المجال؟

في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة على التساؤلات السابقة عبر النقاط الأساسية التالية:

مكامن القوة

هناك عدد من المميزات التي تقوي هذه المنظمة، في مقدمتها ما يلي: أنها منظومة عالمية وليست إقليمية كما يتضح جليًا في أعضائها المؤسسين الذين يمثلون ثلاث قارات في العالم إفريقيا وآسيا وأوربا، فضلًا عن أن عضوية تلك المنظمة مفتوحة أمام الدول النامية الأخرى التي تتفق مع دول المنظمة في الأهداف والمبادئ وترتبط معها بروابط مشتركة. إضافة إلى أن مجموعة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي "D-8" تمثل منتدى ليس له أي تأثير عكسي على التزامات دولها الأعضاء الثنائية والدولية تجاه عضويتها وتجاه المنظمات الدولية الأخرى.

تحديات عديدة:

تواجه مجموعة الثماني النامية، العديد من التحديات السياسية والاقتصادية، التي يمكن أن تؤثر على فاعليتها ونجاحها. ويمكن تحديد أبرز هذه التحديات فيما يلي:

(*) الاختلافات الاقتصادية بين الدول الأعضاء: بعض الدول الأعضاء مثل إندونيسيا وماليزيا حققت نموًا اقتصاديًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، في حين أن دولًا أخرى مثل نيجيريا أو باكستان ما زالت تعاني ضعفًا اقتصاديًا. وهذا يمكن أن يخلق فجوة كبيرة في مصالح الدول الأعضاء.

(*) التهديدات الداخلية والإقليمية والعالمية: فهناك الأزمات الأمنية في بعض الدول الأعضاء مثل باكستان ونيجيريا قد تؤثر على الاستقرار الداخلي وتعيق جهود التعاون الاقتصادي، فضلًا عن التحديات الإقليمية التي يأتي في مقدمتها: استمرار الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وما يصاحب ذلك من خطورة وتهديد بامتداد الصراع لدول أخرى، مثلما حدث مع لبنان وصولًا إلى سوريا التي تشهد تطورات، واعتداءات على سيادتها ووحدة أراضيها مع ما قد يترتب على احتمالات التصعيد واشتعال المنطقة، من آثار ستطول الجميع، سياسيًا واقتصاديًا، إضافة إلى التهديدات الإرهابية في بعض الدول الأعضاء، مثل باكستان ونيجيريا، قد تؤثر على بيئة الاستثمار والتعاون الإقليمي فيما بين بعض دول المنظمة.

(*) الضغوط الدولية على بعض دول المنظمة: قد يتعين على بعض دول المنظمة تحقيق توازن في العلاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا. فبعض الدول الأعضاء في مجموعة الثماني مثل إيران قد تواجه ضغوطًا من الغرب، ما يمكن أن يؤثر على توجهاتهاب التعاون مع دول المنظمة. وهناك كذلك التنافس بين الصين والهند، ففي ظل تصاعد التنافس بين الصين والهند، يمكن أن يؤثر هذا على ديناميكيات التعاون بين دول المنظمة، إذ تحاول بعض الدول مثل إندونيسيا وماليزيا موازنة علاقاتها مع الصين.

(*) صعوبة التنسيق مع التجمعات الأخرى للدول النامية: يترتب على صعوبة التنسيق بين مجموعة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي (D-8) مع المجموعات الأخرى للدول النامية مثل دول البريكس (BRICS) أو حتى منظمة التعاون الإسلامي (OIC)، إلى بعض التحديات في تحديد الأولويات المشتركة.

(*) التحديات المتعلقة بالتمويل والاستثمار: تشمل هذه التحديات تأمين التمويل لمشروعات مشتركة بين الدول الأعضاء قد يكون صعبًا في ظل الأزمات الاقتصادية ببعض دول المنظمة، إضافة إلى نقص التنسيق المالي، إذ تتفاوت الأولويات الاقتصادية بين الدول، ما قد يؤدي إلى صعوبة في إيجاد أرضية مشتركة لتنفيذ مشروعات مشتركة على أرض الواقع.

(*) تحديات التغير المناخي والتنمية المستدامة: يُعتبر التغير المناخي تحديًا كبيرًا بالنسبة للعديد من دول المنظمة مثل إندونيسيا وماليزيا التي تواجه تهديدات بيئية كبيرة، التنسيق في مواجهة هذه التحديات البيئية يتطلب تعاونًا مكثفًا في مجالات مثل الطاقة المتجددة، المياه، والزراعة.

(*) حواجز الاتصال والتكنولوجيا: يتطلب تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار، تجاوز الحواجز التقنية بين الدول، إذ إن هناك تفاوتًا كبيرًا في مستوى التطور التكنولوجي بين الدول الأعضاء.

(*) التحديات الثقافية والاجتماعية: تختلف الثقافات والمعتقدات الدينية بين الدول الأعضاء، وهذا قد يؤدي إلى صعوبة في تحقيق توافق في الآراء بشأن قضايا معينة مثل حقوق الإنسان، التعليم، وقضايا اجتماعية.

(*) الاعتماد على الاقتصاد النفطي: دول مثل إيران وإندونيسيا قد تواجه تحديات متعلقة بأسعار النفط والتقلبات الاقتصادية العالمية.

وسعت القمة الأخيرة للمنظمة في القاهرة المنعقدة، ديسمبر 2024، إلى التعامل مع هذه التحديات من خلال تعزيز الحوار، وتحسين التنسيق، وتعميق التعاون بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية.

أهم مسارات التطوير

لا تزال معظم دول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي غير قادرة على وضع أطر اقتصادية مواتية، وتزويد الشركات الأجنبية بالبنية التحتية التنظيمية والمادية الكافية، وهذا يتطلب من تلك الدول تهيئة بيئة مواتية لجذب مزيد من الاستثمارات، وفي ضوء ما سبق، يمكن تحديد أهم مقترحات تطوير آليات العمل والتعاون داخل مجموعة الثماني النامية، فيما يلي:

كيف يمكن تطوير التعاون لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي؟

(*) التطوير المؤسسي لآليات عمل المنظمة: يتطلب هذا تطوير آلية اتخاذ القرار وكيفية التغلب على كل المعوقات لتفعيل اتفاقية التجارة التفضيلية بين الدول الأعضاء، فضلًا عن إنشاء جامعة لتعزيز التبادل العلمي والبحثي بين الأعضاء بالمنظمة وتطوير التعاون بين دول المنظمة في مجال الزراعة والأمن الغذائي وغيرها.

(*) تبني العمل بعملة موحدة داخل دول المنظمة: اقترحت رئيسة وزراء بنجلاديش، شيخة حسينة، اعتماد عملة مشتركة داخل منظمة (D-8) للتعاون الاقتصادي. وقالت: "هدفي هو رفع مستوى الرفاهية والوضع الاجتماعي والاقتصادي لشعبنا. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا تمكنا من تحصين التجارة المتبادلة. ومن خلال تعزيز تجارتنا يمكننا تقليل اعتمادنا على الآخرين".

(*) تحسين القدرة التنافسية لدول المنظمة: حاجة البلدان النامية الثماني إلى تكثيف الجهود والسياسات لتحسين القدرة التنافسية من خلال الإصلاحات وإجراءات السياسات في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، من الإطار التنظيمي إلى البنية التحتية الأساسية. ومن شأن هذه الإجراءات الإصلاحية والسياسية أن تعمل على تحسين القدرة التنافسية، وتعزيز نمو الإنتاجية، ومن ثم سيرتفع مستوى المعيشة.

(*) تبني دول المنظمة للمزيد من سياسات التحرير المالي وتشجيع الابتكار: تحتاج الدول الثماني النامية إلى النظر في سياسات التحرير المالي التي لها أثر إيجابي في النمو الاقتصادي، إضافة إلى دعم الابتكار، وتكوين رأس مال ثقافي ومعرفي، وتحسين حقوق الملكية، وإنفاذ العقود لتخفيف الآثار السلبية للإصلاحات على المدى القصير، وإلا فإن تضاؤل العائدات على رأس المال من شأنه أن يوقف النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ويعوق قدرة الدول الثماني على توليد ناتج إضافي. ومن أجل تمكين المؤسسات من الابتكار، ونمو التكنولوجيا، تحتاج تلك الدول إلى مراجعة سياساتها الوطنية.

جهود مصرية فعّالة

قالت مديرة الاقتصاد والعلاقات الخارجية في مجموعة الدول النامية للتعاون الاقتصادي (D-8)، الوزيرة المفوضة رشا حمدي، إن رئاسة مصر للمجموعة تحقق دفعة إلى الأمام، وتضفي مزيدًا من الحيوية؛ نظرًا إلى دورها الرائد في مجال التنمية الاقتصادية، وأن الدول الأعضاء ترغب في تقوية علاقاتها وترسيخها، وتسعى إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري فيما بينها، وأن هناك خطة عمل للسنوات العشر المقبلة تتماشى مع رغبة الأعضاء في توسيع مجالات التعاون.

وتعد مصر أول دولة صدقت على ميثاق التعاون الاقتصادي للمنظمة، نوفمبر 2013، فضلًا عن استضافتها للعديد من الاجتماعات الوزارية للمنظمة. وتقوم مصر بدور كبير في تنسيق مواقف مجموعة الثمانية النامية في المحافل الدولية من خلال قمم وآلية وزراء خارجية دول المجموعة، وتتلخص الرؤية المصرية للتعاون بين دول مجموعة الثمانية في التطلع لحجم تجارة أكبر بين دول المجموعة، وتشجيع القطاع الخاص؛‏ إيمانًا بأن مستوى التعاون الحالي لا يتماشى مع ما تتمتع به دول المجموعة من مقومات.

وانطلاقًا من هذه الرؤية حرصت مصر على المشاركة في الاجتماعات المختلفة لدول المجموعة، لبحث ما تحقق من إنجاز على مستوى برامج التعاون المشترك بين دول المجموعة في مجالات الطاقة والنقل والسياحة والبنوك والخدمات المالية‏، والنهوض بالبنية التحتية‏، إذ تتصدر قضايا الإنماء البشري وتأثرها بالأزمة المالية العالمية على صعيد تمويل برامجها‏ ومدى الاستفادة من تطبيقات العلوم والتكنولوجيا وقضايا العمالة المهاجرة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أولويات أجندة عمل مفوضي القمة. واستضافت مصر ثالث قمة لدول المجموعة في القاهرة عام‏ 2001، وكانت مسؤولة عن ملف التعاون التجاري بين بلدان المجموعة‏، كما استضافت مصر اجتماعات المجموعة الخاصة بإنشاء بنك للبذور الزراعية لدول المجموعة.

‏واستضافت مصر اجتماعات متعاقبة لتطوير صناعة الأسمدة‏، وورشة عمل خاصة بتطوير منظومة تأمينية للمشروعات المتوسطة والصغيرة، ويأتي هذا لمواجهة مشكلات البطالة،‏ وتنسيق الاستفادة من مبادرات التمويل الدولية في هذه المجالات بين دول المجموعة التي تشكل دولها الأعضاء تكتلاً بشريًا تجاوز تعداده مليار نسمة.

مبادرات مصرية دافعة

انطلاقًا من إيمان مصر بأهمية إعطاء دفعة للتعاون المشترك بين المجموعة، فقد تم الإعلان خلال القمة الـ11 بالقاهرة عن إطلاق عدد من المبادرات المصرية التي تستهدف دعم وتعزيز التعاون بين دول المجموعة. ويأتي في مقدمتها: تدشين "شبكة لمديري المعاهد والأكاديميات الدبلوماسية" لتعزيز التعاون فيما بينها وبناء قدرات الكوادر الدبلوماسية، لمواكبة قضايا العصر الحديث. وإطلاق مسابقة إلكترونية، لطلاب التعليم ما قبل الجامعي في الدول الأعضاء بمجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيات التطبيقية، إضافة إلى مبادرة تستهدف تدشين "شبكة للتعاون بين مراكز الفكر الاقتصادي" في الدول الأعضاء لتبادل الأفكار والرؤى حول سبل الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والاستثماري ومعدلات التجارة بين دول المجموعة. ويضاف لما سبق، تدشين اجتماعات دورية لوزراء الصحة بالدول الأعضاء، واستضافة مصر الاجتماع الأول عام 2025، لمناقشة سبل تعظيم الاستفادة من التطبيقات التكنولوجية والعلمية المتطورة، لتطوير هذا القطاع المهم.

والجدير بالذكر هنا، الإشارة إلى إعلان مصر خلال تلك القمة عن عزمها التصديق على اتفاقية التجارة التفضيلية التابعة للمنظمة، تأكيدًا لأهمية تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء.

وفي النهاية، يمكن القول إن دول منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي (D-8) مثل باقي الدول النامية، تواجه تحديات عديدة تحول دون تحقيق تطلعات شعوبها في الرخاء والتنمية. فمع نقص التمويل، وتفاقم الديون، وتوسع الفجوة الرقمية والمعرفية، وارتفاع معدلات الفقر والجوع والبطالة، تجد دول المجموعة نفسها في صعوبة بالغة، في تحقيق التقدم والنمو على النحو المنشود. وهو الأمر الذي يتطلب المزيد من الجهود لتعزيز التعاون المشترك فيما بين دول المنظمة وتنفيذ مشروعات ومبادرات مشتركة فيما بينها وفي مختلف المجالات التي يأتي على رأسها: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والاقتصاد الرقمي، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والزراعة، والصناعات التحويلية، والطاقة الجديدة والمتجددة خاصة الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى دعم وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتشكل المبادرات المصرية التي تم إطلاقها في قمة المنظمة الأخيرة بالقاهرة، قوة دافعة لتلك الجهود بما يمكن هذه المنظمة من مواجهة تلك التحديات عبر اتباع أفضل مسارات التطوير.