الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تعاون مشترك.. دلالات تعيين أول سفير للصين تحت حكم "طالبان"

  • مشاركة :
post-title
السفير الصيني الجديد لدى أفغانستان مع قادة طالبان

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

أعلنت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها، 13 سبتمبر 2023، تعيين الدبلوماسي "تشاو شينج" سفيرًا جديدًا لها في أفغانستان، لتصبح بكين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) أول دولة تعيّن مبعوثًا لها في حكم "حركة طالبان" منذ سيطرتها على السلطة في أغسطس 2021، عقب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بعد عقدين، موضحة أن تعيين "تشاو شينج" يأتي في إطار التناوب الطبيعي لسفير الصين في أفغانستان، وسياسة بكين الواضحة والثابتة تجاه كابول والهدف الرئيس منها "مواصلة دفع الحوار والتعاون بين الصين وأفغانستان"، الأمر الذي أثار تساؤلًا بشأن ما إذ كانت هذه الخطوة هي بداية الاعتراف الصيني الرسمي بالحركة الأفغانية، في الوقت الذي لم تعترف فيه أي دولة بحكومة طالبان حتى الآن، مع استمرار انتقادات المجتمع الدولي للسياسة التي تحكم بها الحركة الأفغانية واستمرارها في قمع المواطنين وحريتهم، بجانب تجميع أصول أفغانستان في الخارج.

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن هذا القرار يكشف عن رغبة صينية ملحة في الانخراط بشكل متزايد داخل الأراضي الأفغانية خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية، وفي ضوء التحركات الصينية المتزايدة لتعزيز نفوذها على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية بمختلف البلدان الإفريقية والآسيوية.

ملامح التعاون

وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول إن خطوة تعيين الصين مبعوثًا جديدًا لها في أفغانستان بالوقت الراهن بعد انتهاء فترة عمل سفيرها السابق "وانج يو" في أغسطس 2023 (تولى منصبه عام 2019)، تكشف عن ملامح التعاون الوطيدة بين بكين والحركة الأفغانية منذ 2021، يمكن إبرازها على النحو التالي:

(*) احتفاء كبير من قِبل السلطة الأفغانية: حظي القرار الصيني بترحيب كبير من قِبل السلطة الحاكمة في طالبان التي أقامت مراسم "بروتوكولية فخمة" بالقصر الرئاسي الأفغاني إبان وصول السفير الصيني الجديد "تشاو شينج" واستقبله جنود يرتدون الزي الرسمي لتسليم أوراق اعتماده التي تم قبولها من قِبل الملا "محمد حسن آخُند" رئيس الوزراء بحكومة طالبان، وهذه هي المرة الأولى منذ استيلاء طالبان على السلطة التي يحصل فيها سفير في كابول على مثل هذا الترحيب، وأكد نائب المتحدث باسم الحركة "بلال كريمي"، أن هذه خطوة مهمة في مسار العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين، كما أشار المتحدث باسم الحكومة الأفغانية "ذبيح الله مجاهد" إلى أن هذه الخطوة تعد إشارة إلى الدول الأخرى للتقدم والتفاعل مع الحركة الأفغانية وإقامة علاقات جيدة معها من أجل حل أي مشكلات"، من جهتها، دعت سفارة الصين في أفغانستان، في بيان لها مساء 13 سبتمبر الجاري "المجتمع الدولي للحوار مع السلطة الحاكمة في كابول ودعمها لوضع إطار سياسي شامل واعتماد سياسات معتدلة والتخلي عن المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب وتطوير علاقات خارجية ودية وإعادة أصول البلاد في الخارج، ورفع العقوبات".

سفير الصين يقدم أوراق اعتماده لرئيس وزراء طالبان محمد حسن أخوند

(*) مباحثات صينية أفغانستانية لتعزيز التعاون المشترك: عُقد لقاء ثنائي مشترك بين وزير الخارجية الصيني السابق "تشين جانج" والقائم بأعمال وزير الخارجية بحكومة طالبان مولوي "أمير خان متقي" منتصف أبريل الماضي، في أوزبكستان، على هامش أعمال اجتماع وزراء خارجية الدول المجاورة لأفغانستان، وخلاله بحث الطرفان سُبل تعزيز التعاون المشترك بينهما في مختلف المجالات، وذلك في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، إذ أكد "جانج" دعم بلاده للحكومة الأفغانية وحقها في تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول المجاورة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة جرائم المخدرات والإرهاب، ومن جهته أفاد المسؤول الأفغاني بأن بلاده تتطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع بكين والمشاركة بشكل نشط في "الحزام والطريق"، كما طمأن السلطات الصينية بقوله إن "طالبان لن تسمح أبدًا لأي قوى باستخدام الأراضي الأفغانية للإضرار بالمصالح الوطنية للصين".

وزير الخارجية الصيني السابق "تشين غانغ" والقائم بأعمال وزير الخارجية بحكومة طالبان "أمير خان متقي"

(*) تعاون بين كابول وبكين لاستخراج النفط: كما أعلن القائم بأعمال وزارة المناجم والنفط في حكومة طالبان "شهاب الدين دلاور"، في 17 يوليو الماضي، التوقيع على عقد مع شركة النفط الوطنية الصينية لاستخراج النفط وتكريره في حقل قشقري في ولاية سَربُل شمالي أفغانستان، مشيرًا إلى أن هذه العملية تعد "خطوة مهمة في التنمية الاقتصادية لأفغانستان"، الأمر الذي يأتي في إطار الجهود والتحركات التي تقودها السلطات الصينية ومؤسساتها داخل وخارج أفغانستان من أجل العمل على تعزيز التعاون بالمجال النفطي مع الحركة الأفغانية، وهو النشاط الذي بدأت بكين في العمل عليه منذ انسحاب واشنطن من أفغانستان، إذ إن هذا التعاون ليس الأول، ففي يناير 2023 وقّعت "طالبان" مع الشركة الصينية في شينجيانج "آسيا الوسطى للنفط والغاز " عقدًا مدته 25 عامًا لاستخراج النفط في شمال أفغانستان، ووصفت هذه الصفقة وقتها بـ"الأكبر" بين البلدين.

(*) زيارات متبادلة بين الجانبين الصيني والأفغاني: لم تتوقف الزيارة بين المسؤولين من الصين وقادة طالبان على مدار السنوات الماضية، فقبل شهر من سيطرة طالبان على السلطة، أجرى وفد من الحركة يضم تسعة أعضاء بقيادة المسؤول الثاني في حركة طالبان الملا "عبد الغني بارادار" في 27 يوليو 2021، زيارة استمرت لمدة يومين إلى الصين، وخلالها عقد الوفد مباحثات مع وزير الخارجية الصيني "وانج يي" ونائب وزير الخارجية والممثل الصيني الخاص لشؤون أفغانستان، تناولت تعزيز التعاون الأمني المشترك بين الصين والحركة التي طمأنت المسؤولين في بكين، بأنها "لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة لشنّ هجمات تستهدف أمن دول أخرى"، وفي 24 مارس 2022، زار وزير الخارجية الصيني "وانج يي" بشكل مفاجئ العاصمة كابول والتقي بمسؤولين من الحركة وعقد مباحثات تناولت "توسيع أطر العلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي المشترك".

وفد طالبان خلال زيارته إلى الصين
أهداف صينية

في ضوء التحركات سالفة الذكر، يمكن القول إن الصين تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف من جراء توطيد تعاونها مع حركة "طالبان" رغم الرفض الدولي للاعتراف بهذه الحركة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:

(*) على الصعيد الأمني: إن من أبرز الأهداف التي تطمح إليها بكين من جراء تعاونها مع حركة طالبان هو أن تعمل على احتواء المخاوف الأمنية لبكين التي تريد حماية أراضيها من أي تهديدات إرهابية لمصالحها سواء داخل أو خارج أفغانستان، فهناك "تنظيم داعش فرع ولاية خراسان" الذي يرفض بشدة الوجود الصيني داخل الأراضي الأفغانية، ويشن بين الحين والآخر هجمات تستهدف مصالح الصين داخل أفغانستان، كان آخرها، في ديسمبر الماضي، حينما نفّذ هجومًا بالعبوات الناسفة والقنابل اليدوية والأسلحة النارية على فندق "كابول لونجان" بالعاصمة الأفغانية كابول، الذي يتردد عليه مواطنون ورجال أعمال ودبلوماسيون صينيون، أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 15 آخرين، بجانب ذلك، فإن بكين تسعى من جراء التعاون مع طالبان، لحماية أراضيها من أية هجمات تنفذها "حركة تركستان الشرقية" (التي تضم مسلحين من الإيجور ويرغبون في الانفصال عن الصين ويوجد مجموعة منهم داخل أفغانستان وصنّفتها الحكومة الصينية كـ"منظمة إرهابية")، لذلك نلحظ أن أية اجتماعات بين الصين وكابول خلال الفترة الأخيرة لم تخل من تأكيد مسؤولي طالبان أنهم لن يسمحوا باستخدام أراضيهم لتهديد الدول المجاورة، مشددين في الوقت ذاته في تكثيف جهودهم من أجل توفير الحماية اللازمة للمؤسسات الصينية والمواطنين الصينيين في أفغانستان.

(&) على الصعيد الاقتصادي: تمثل أفغانستان أهمية بالنسبة للصين الساعية لتعزيز نفوذها الاقتصادي، إذ إن بكين لديها مصالح اقتصادية وتعدينية داخل كابول، وهو ما يفسر سبب إبرام اتفاقيات بقطاعات النفط والنحاس بين أفغانستان وشركات صينية خلال العام الجاري، كما أن الصين مهتمة بتعزيز نفوذ شركاتها للتنقيب عن الذهب ومادة الليثيوم في أفغانستان، إذ أعلن رئيس دائرة المناجم في ولاية غزني وسط أفغانستان "يوسف صهيب" في يناير الماضي، بأن هناك نحو 25 شركة صينية تعمل بمشاريع الليثيوم في الأراضي الأفغانية، بجانب ذلك فإن الصين تسعى لربط أفغانستان بـ"مبادرة الحزام والطريق" وهو الملف الذي طالما طرح في أية مباحثات ولقاءات جمعت الطرفين خلال الفترة الأخيرة، بجانب ذلك فإن الحركة الأفغانية لم تخف رغبتها في تعزيز الصين لاستثماراتهم داخل الأراضي الأفغانية، وهو ما تريده بكين أيضًا شريطة أن تنجح "طالبان" في تحقيق الاستقرار بأفغانستان.

(&) على الصعيد السياسي: إن عمل الصين على تعزيز نفوذها داخل الأراضي الأفغانية منذ عودة طالبان للسلطة وإبقائها على علاقاتها الدبلوماسية وسفارتها مفتوحة داخل كابول وتقديم مساعدات إنسانية للحركة الأفغانية، لمواجهة كوارث الزلازل والفيضانات وصولًا لإبرام اتفاقيات مشتركة؛ يأتي في إطار المنافسة بين واشنطن وبكين، إذ استغلت الأخيرة الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية، وسعت على الفور لتثبيت نفوذها داخل هذا البلد لملء الفراغ الأمريكي، إذ إن الوجود الأمريكي كان من أبرز العراقيل أمام مصالح الصين بكابول، وهو ما يفسر الزيارة السريعة التي أجراها وفد من حركة طالبان إلى الصين عقب انسحاب واشنطن، ثم قيام الطرفين بتعزيز شراكة التعاون الاستراتيجية بينهم، وتبني الصين "موقف سلبي" من السياسات القمعية التي تقوم بها طالبان بحق الشعب الأفغاني، ومن أبرزها، التضيق على النساء وحرمانهن من التعليم والعمل.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تعيين الصين سفيرًا جديدًا لها في أفغانستان في حكم حركة طالبان التي لم تحظ حتى الآن بأي اعتراف دولي رسمي منذ وصولها إلى الحكم في أغسطس 2021؛ يأتي في إطار الأهداف الصينية الرامية لتعزيز نفوذها وملء الفراغ الأمريكي في وسط آسيا، ومن جهة أخرى، فإن هذا الاعتراف قد يسهم في دفع الصين خلال الفترة المقبلة للاعتراف بالحركة الأفغانية كـ"حاكم شرعي" لأفغانستان، وتعزيز علاقات التعاون الثنائي على نطاق أوسع، بل وقد تعمل على تقديم أوجه الدعم اللازم في المحافل الدولية لمساندة مساعي "طالبان" الرامية لنيل الاعتراف الدولي.