الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تخفيض أم تثبيت.. ما المحتمل من الفيدرالي الأمريكي في اجتماع مايو المقبل؟

  • مشاركة :
post-title
"جيروم باول" رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الـ 7 من مايو المُقبل سيجتمع الفيدرالي الأمريكي؛ ليُحدد أسعار الفائدة في الاقتصاد وفقًا لمؤشرات مختلفة في ظل الحرب التجارية التي شرع فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع بداية فترة رئاسته الثانية، حيث تسببت في إحداث صدمات عدة داخل الاقتصاد، وهو الأمر الذي أثر على التوقعات المستقبلية للمتغيرات الاقتصادية المختلفة، خاصة معدلات التضخم والتوظيف والنمو الاقتصادي.

ومن الجدير بالذكر هنا أن التوقعات الاقتصادية تذهب إلى حالة ركود في الاقتصاد الأمريكي، فقد توقع نموذج ميزانية بن وارتون PWBM أن رسوم ترامب الجمركية ستؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل بنسبة 6%، وانخفاض الأجور بنسبة 5%.

وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على المؤشرات الاقتصادية المهمة التي يتوقف عليها قرار الفيدرالي، فضلًا عن توضيح المسارات المختلفة التي من المُحتمل أن يسير وفقًا لها.

اتجاهات في اجتماع مايو المُقبل في ظل الرسوم الجمركية لترامب
دلائل هامة

يُمكن الاستدلال على اتجاه الفيدرالي الأمريكي حول أسعار الفائدة من خلال النقاط التالية:

(-) معدل التضخم: يُعد معدل التضخم مؤشر رئيسي؛ لتحديد اتجاهات الفيدرالي نحو سعر الفائدة، إذ أن الهدف الأساسي لهذا المجلس هو الحفاظ على استقرار الأسعار في الاقتصاد الأمريكي، ويتضح من الشكل (1) أن معدلات التضخم انخفضت في مارس 2025 إلى 2.4% بالمقارنة بـ 3.5% في مارس 2024، وهو أقل من التوقعات البالغة 2.6%، ويرجع ذلك إلى أن الاقتصاد الأمريكي كان قد بدأ في الانتعاش مع بداية عام 2025، ولكن الصدمة التي حدثت مع إقرار الرسوم الجمركية في الثاني من أبريل من المُحتمل أن تُغير هذه النسب على المدى القصير.

الشكل (1) يوضح معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة من مارس 2024 إلى مارس 2025- المصدر: مكتب إحصائيات العمل الأمريكي

فعلى الرغم من انخفاض معدل التضخم، إلا أن مؤشر أسعار المستهلكين الذي يعكس متوسط التغيرات لأسعار سلة من السلع والخدمات الاستهلاكية، ارتفع قليلاً في مارس 2025 إلى نحو 319.80، بالمقارنة بـ 319.08 في فبراير 2025، وبـ 317.67 في يناير 2025 كما يوضح الشكل (2).

وتفنيدًا لمكونات هذا المؤشر، انخفض مؤشر الطاقة بنسبة 2.4% في مارس، إذ عوض انخفاض مؤشر البنزين بنسبة 6.3% ارتفاع مؤشري الكهرباء والغاز الطبيعي، كما ارتفع مؤشر الغذاء بنسبة 0.4%، فضلاً عن ارتفاع مؤشر الطعام المنزلي بنسبة 0.5%.

وبالنسبة لمؤشر أسعار المستهلكين في المناطق الحضرية انخفض بنسبة 0.1% في مارس 2025، وذلك بعد ارتفاعه بنسبة 0.2% في فبراير 2025، وهو الأمر الذي يوضح الاستقرار النسبي في معدلات التضخم داخل الاقتصاد الأمريكي في الفترة الراهنة.

الشكل (2) يوضح مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية من أبريل 2024 إلى مارس 2025- المصدر: مكتب إحصائيات العمل الأمريكي

ولتوضيح توقعات التضخم في الاقتصاد الأمريكي في ظل الحرب التجارية العاتية، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، يُمكن القول إن الاقتصاد الأمريكي سيشهد ارتفاعًا محتملًا في معدلات التضخم، وذلك في ضوء العوامل التالية:

(*) ارتفاع الواردات من الصين: تتميز التجارة الثنائية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بأن الواردات الأمريكية من الصين تفوق الصادرات الأمريكية إليها، إذ إنه في حين بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الصين ما يُقدر بنحو 582.4 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بلغت الواردات الأمريكية نحو 438.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.8% عن عام 2023، بينما بلغت الصادرات الأمريكية إلى الصين نحو 143.5 مليار دولار أمريكي، وهو الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع عجز تجارة السلع الأمريكية مع الصين إلى 295.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.8% عن عام 2023.

ومن هنا يتضح أن الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى السلع الصينية أكثر من احتياج الاقتصاد الصيني للسلع الأمريكية، إذ أن الصين تُتيح سلع ذات أسعار رخيصة في السوق الأمريكي، الأمر الذي يعمل على زيادة أرباح الشركات الأمريكية، ويخفض معدلات التضخم داخل السوق.

وفي ضوء مؤشرات اعتماد الولايات الأمريكية على السلع الصينية، يتضح أن ولاية نيفادا تعتمد على 26% من الواردات الصينية، ولأن الولاية ليست مركزًا صناعيًا، فالرسوم الجمركية المرتفعة على الصين التي وصلت إلى 145%، ستؤدي إلى ارتفاع أسعار عدد كبير من المنتجات الاستهلاكية بها، وستتحمل الشركات تكاليف أعلى، وبعد ذلك تأتي ولاية كاليفورنيا في المرتبة الثانية، إذ تُشكل السلع الصينية ربع وارداتها، كما شكلت الصين نحو 30% من واردات التصنيع في الولاية.

(*) الأهمية النسبية للواردات: تستورد الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة متنوعة من السلع الأساسية، والتي يُمثل بعضها الشكل (3)، الذي يوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد بشكل أساسي على الصين في المعدات الكهربائية والإلكترونية، إذ استوردت ما قيمته 127.06 مليار دولار في عام 2024، فالصين تُشكل 41% من الواردات الإلكترونية للولايات المتحدة الأمريكية، كما تأتي الآلات والمفاعلات النووية والغلايات من أهم الواردات الأمريكية من الصين، إذ بلغت قيمة وارداتها نحو 85.13 مليار دولار، وغيرها من السلع الأساسية التي يوضحها الشكل.

الشكل (3) يوضح أهم الواردات الأمريكية من الصين خلال عام 2024 (بالمليار دولار)-المصدر: منظمة التجارة العالمية

(-) بيانات سوق العمل: تُعتبر بيانات التوظيف من البيانات الاستراتيجية التي يسير وفقًا لها الاحتياطي الفيدرالي، فمن الشكل (4) يتضح أن معدل البطالة في الاقتصاد الأمريكي ارتفع في مارس 2025 إلى 4.2%، بالمقارنة بـ 4% في يناير 2025، متجاوزًا بذلك توقعات السوق البالغة 4.1%، وهو الأمر الذي يوضح حالة الركود التي يتجه إليها الاقتصاد الأمريكي.

الشكل (4) يوضح معدل البطالة في الاقتصاد الأمريكي (%)- المصدر: مكتب إحصاءات العمل الأمريكي
اتجاهات مُحتملة

في ضوء المتغيرات التي تم تناولها في الجزء السابق، يُمكن التنبؤ باتجاهات الفيدرالي في الاجتماع المُقبل، على النحو التالي:

(-) المسار الأول: من المُحتمل أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بتثبيت سعر الفائدة في الاجتماع المُقبل، وذلك في ظل حالة عدم اليقين التي تُعاصر الاقتصاد الأمريكي، فمن المُرجح أن الفيدرالي سينتظر وضوح رؤية التأثيرات الاقتصادية للرسوم الجمركية لترامب على الاقتصاد قبل إجراء تغييرات على أسعار الفائدة، فتثبيت سعر الفائدة يُعتبر خيارًا حياديًا للفيدرالي.

وهو ما أوضحه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" في خطاب ألقاه أمام النادي الاقتصادي في شيكاغو، بإن بإمكانه التحلي بالصبر والانتظار؛ لمعرفة كيفية تأثير الرسوم الجمركية والسياسات الاقتصادية لإدارة ترامب من خلال انتظار مزيد من البيانات حول اتجاه الاقتصاد.

(-) المسار الثاني: يُمثل هذا المسار قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة مئوية، كخطوة منه لتعزيز النمو الاقتصادي ومعدلات التوظيف. وتحفيز سوق الأسهم والسندات الأمريكية، الذي تأثر بشدة؛ بسبب الرسوم الجمركية التي أقرها ترامب.

فبعد أن كشفت شركة إنفيديا "NAVDA" عن قيود جديدة باهظة التكاليف على صادرات الرقائق إلى الصين، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي (GSPC)بأكثر من 2.2%، كما خسر مؤشر داو جونز الصناعي حوالي 700 نقطة، أي نحو 1.7%، كما انخفض مؤشر ناسداك المركب "IXIC" الذي يُهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بأكثر من 3%؛ بسبب الأحكام الجديدة المتعلقة بالرقائق على قطاع التكنولوجيا.

وفي النهاية يُمكن القول إن الصدمة التي حدثت في الاقتصاد الأمريكي من جراء الرسوم الجمركية التي أطلقها دونالد ترامب، ستتسبب في إرباك قرار الفيدرالي الأمريكي في اجتماعاته المُقبلة، إذ أن المجلس يتعين عليه تحقيق استقرار مستويات الأسعار والتوظيف، ولكن ذلك سيكون على حساب النمو الاقتصادي ووضع الأسواق المالية؛ لذلك سيكون المسار الأول هو أقرب القرارات التي سيستقر إليها الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه المُقبل.