في قلب وادي السيليكون، إذ يُكتب مستقبل العالم على لوحات المفاتيح وتُرسم أحلام التقدم في مراكز البيانات، بدأت ترتفع أصوات معارضة لم تكن مألوفة، ولم تعد الاحتجاجات في هذا المعقل التكنولوجي مُقتصرة على قضايا الهجرة أو تغيّر المناخ، بل باتت موجّهة ضد رموزه أنفسهم، من الملياردير إيلون ماسك إلى نظيره مارك زوكربيرج، ومن دعمهما السياسي الصريح لدونالد ترامب إلى التحولات الجذرية في أخلاقيات الصناعة.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء، شارك الآلاف في مظاهرة ضخمة وسط مدينة سان خوسيه، رافعين لافتات تهاجم الرئيس دونالد ترامب، ومن انضم إليه من رموز وادي السيليكون، مثل إيلون ماسك، ومن بينهم جيريمي ليونز، مهندس برمجيات يبلغ من العمر 54 عامًا، لم يشارك في احتجاجات منذ عهد ترامب الأول، لكنه وجد نفسه مدفوعًا بالغضب وخيبة الأمل.
ويرى "ليونز" أن الوادي لم يعد كما كان؛ فبينما بدأت الصناعة بشعارات مثالية مثل "لا تكن شريرًا"، تحوّلت اليوم إلى ساحة تُهيمن عليها مصالح مالية وتحالفات سياسية مقلقة. وقال ليونز: "تحولنا من الحلم باليوتوبيا إلى عقلية المال أولًا وكسر القواعد ثانيًا".
وتشير المراقبة المخضرمة لصناعة التكنولوجيا، آن سكيت لـ"أسوشيتد برس"، إلى وجود فجوة متزايدة بين قادة الشركات التكنولوجية وموظفيها"، إذ يتحوّل بعض المليارديرات إلى رموز شعبوية محافظة، في حين يظل معظم العاملين في القطاع متمسكين بالقيم الليبرالية.
وأبرز مثال على ذلك هو إيلون ماسك، الذي لم يكتفِ بدعم ترامب، بل أصبح أحد أبرز المدافعين عن سياساته، إلى جانب مستثمرين مثل ديفيد ساكس ومارك أندريسن، كما لم يتخلف قادة مثل زوكربيرج وبيتشاي عن حضور حفل تنصيب ترامب، ما أثار تساؤلات حادة حول تقاطع السلطة والمال في مستقبل الديمقراطية.
وفي الوقت الذي يميل فيه قادة الصناعة نحو اليمين، تبقى مقاطعة سانتا كلارا، معقل وادي السيليكون، وفية للحزب الديمقراطي، إذ صوتت بنسبة 68% ضد ترامب في آخر انتخابات، رغم بعض المؤشرات على تأرجح نسبي.
وفي هذا الصدد؛ قال ديف جونسون، المدير التنفيذي الجديد للحزب الجمهوري في سانتا كلارا: "ما زلنا في خضمّ هذه الأزمة"، مؤكدًا أن الحزب اكتسب بعض الأعضاء الجدد في المقاطعة، لكن القليل منهم من قطاع التكنولوجيا.
وتعبّر شخصيات مثل إيداروز سيلفستر وديان وود عن استيائهما من هذا التحول، مشيرات إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي، والأثر البيئي، وتراجع الإحساس الجماعي بالمسؤولية.
وبحسب "أسوشيتد برس" كانت سيلفستر مستاءة بالفعل من تفاقم التفاوت في وادي السيليكون، والتكلفة البيئية الباهظة للطاقة اللازمة لتشغيل مراكز العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي والبيانات، كما شاركت في الاحتجاجات ضد ترامب عام 2017، لكنها شعرت أن هذه الطاقة تلاشت بعد خسارته انتخابات 2020 أمام بايدن.
وقالت سيلفستر: "رأيتُ الكثيرين ينسحبون من الساحة السياسية بعد فوز بايدن. كان هناك شعور بأن كل شيء على ما يرام. لكن لم يكن كل شيء على ما يرام"، واصفة الوضع الحالي بأنه الأسوأ.