في الوقت الذي تُحرز فيه البشرية تقدمًا في مواجهة الأمراض المعدية، تواجه الولايات المتحدة اليوم تهديدًا صحيًا متجددًا يتمثل في تفشي مرض الحصبة، بعد أن شهدت ولاية تكساس ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الإصابات نتيجة سنوات من جمود تمويل برامج التلقيح. ومع قرارات جديدة بخفض الميزانيات المخصصة للتحصين في ولايات أخرى، دقت نواقيس الخطر محذرة من إمكانية تكرار السيناريو الكارثي على نطاق وطني.
المخاطر تتزايد
منذ مطلع عام 2024، سجلت ولاية تكساس أكثر من 150 حالة مؤكدة من مرض الحصبة، في أعلى حصيلة تشهدها الولاية منذ عقود. ويُرجع الخبراء هذا الارتفاع الكبير إلى تراجع معدلات التلقيح، نتيجة تجميد التمويل الحكومي المخصص لحملات التوعية والتطعيم.
وبحسب مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن نسبة الأطفال الذين تلقوا الجرعة الأولى من لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR) في بعض مناطق تكساس قد انخفضت إلى ما دون 85%، وهي نسبة غير كافية لتحقيق "مناعة القطيع" التي تتطلب تلقيح أكثر من 95% من السكان.
يأتي هذا التفشي في وقت حساس، حيث أقرت بعض الولايات الأمريكية، استجابة لضغوط اقتصادية، خفضًا في مخصصات برامج اللقاحات. ومن بين هذه الولايات: فلوريدا، وأوهايو، وميسيسيبي، ما ينذر بإمكانية تكرار سيناريو تكساس في مناطق جديدة.
الخبراء يحذرون من أن أي تقليص في تمويل برامج اللقاح لا يؤثر فقط على الحصبة، بل قد يُضعف القدرة على التصدي لأمراض أخرى مثل شلل الأطفال، والسعال الديكي، والحُمى القرمزية، وهي أمراض يمكن السيطرة عليها بلقاحات فعّالة إذا توفرت الموارد.
وفي هذا الصدد، صرّحت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية بأن الأموال المخصصة لمبادرات كوفيد-19 قد خُفِّضت بسبب انتهاء الجائحة، إلا أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سمحت باستخدام هذه الأموال لدعم البنية التحتية للصحة العامة بشكل عام، بما في ذلك برامج التطعيم.
وقبل تعيينه وزيرًا للصحة، تعهد كينيدي بعدم إلغاء اللقاحات. لكن في تكساس، تعني تخفيضات وزارته خسارة إدارات الصحة على مستوى الولايات والحكومات المحلية 125 مليون دولار من التمويل الفيدرالي المخصص للتطعيمات في ظلّ تعاملها مع تفشي مرض الحصبة.
فيما، قال الدكتور فيليب هوانج، مدير الصحة في مقاطعة دالاس، التي تبعد 350 ميلًا عن المكان الذي بدأ فيه تفشي المرض، إن المقاطعة اضطرت إلى إلغاء أكثر من 50 عيادة تطعيم، بما في ذلك في المدارس ذات معدلات التطعيم ضد الحصبة المنخفضة.
وفي قلب تفشي المرض، أعلنت إدارة الصحة في لوبوك أن سبع وظائف مهددة بالفقدان بسبب تمويلها من هذه المنح. وتشمل الوظائف المتضررة التطعيمات.
ولا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر التخفيضات التي تم الإعلان عنها أخيرًا بقيمة 2 مليار دولار على برامج التحصين في جميع أنحاء البلاد، لكن التفاصيل بدأت تتوالى من بعض الولايات. على سبيل المثال، ستخسر ولاية واشنطن نحو 20 مليون دولار من تمويل التطعيم. واضطر المسؤولون إلى إيقاف جهود التطعيم المتنقلة على متن قافلة "كير-أ-فان"، التي قدمت أكثر من 6800 لقاح كوفيد-19، و3900 لقاح إنفلونزا، و5700 لقاح للأطفال منذ يوليو. كما اضطرت الولاية إلى إلغاء أكثر من 100 عيادة تطعيم كانت مقررة حتى يونيو، بما في ذلك أكثر من 35 عيادة في المدارس.
صعود الحركات المناهضة للتطعيم
تتزامن أزمة تمويل برامج التلقيح مع تنامي تأثير الحركات المناهضة للتطعيم، التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة حول مخاطر اللقاحات. وفي بعض المناطق الريفية، أدى هذا التضليل إلى إحجام الأهالي عن تلقيح أطفالهم، ما جعلها بؤرًا مثالية لتفشي الأمراض المعدية.
وأطلقت جمعيات طبية ومنظمات صحية عدة نداءات عاجلة للكونجرس الأمريكي ولحكومات الولايات لإعادة النظر في قرارات خفض التمويل، محذرين من أن التكلفة الصحية والبشرية لتفشي الحصبة ستكون أكبر بكثير من أي وفر مالي آني.
وصرّح الدكتور "أنتوني ميلر"، أخصائي الأمراض المعدية، قائلًا: "نحن نشهد نتائج مباشرة لتجاهل التمويل الوقائي. الحصبة مرض يمكن الوقاية منه بسهولة، لكن تجاهله يعيدنا إلى الوراء لعقود".