الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد الموقف الفرنسي الرسمي من تهجير الفلسطينيين

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

أعربت السلطات الفرنسية، ممثلة بوزير الخارجية جان-نويل بارو، عن رفضها القاطع لأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، معتبرةً أن مثل هذا الإجراء يتناقض مع مبدأ حل الدولتين الذي تدعمه فرنسا. وشدّد "بارو" على أن مثل هذا التهجير غير مقبول، وأكد أن باريس ترى أن تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب حل الدولتين، حيث تعيش فلسطين جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.

في ضوء ما سبق، تحظى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجمهورية مصر العربية في 7 أبريل 2025 بأهمية خاصة. فمن المقرر أن يلتقي ماكرون خلالها بالرئيس عبد الفتاح السيسي بهدف بحث الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، التي أقرتها القمة العربية الطارئة بالقاهرة في 4 مارس 2025، ردًا على اقتراح ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة. ومن المتوقع أن يتناول اللقاء تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، خاصة ما يتعلق بالأوضاع في غزة، إضافة إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

في هذا السياق، تٌثار العديد من التساؤلات مثل: ما أبعاد الموقف الفرنسي من المحاولات الأمريكية والإسرائيلية المتكررة لتهجير الفلسطينيين؟.. وما أهم الدلالات التي يتضمنها الموقف الفرنسي؟.. ​وما أهمية موقف باريس في الوقت الراهن وكيف يمكن الاستفادة منه؟

أبعاد الموقف الفرنسي

أعلنت فرنسا، مثل معظم القوى الدولية رفضها التام أي خطط لتهجير الفلسطينيين، ووصف المتحدث باسم الحكومة الفرنسية هذه الخطوة بأنها مسألة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ويمكن التعرف أكثر على أبعاد هذا الموقف من استعراض موقفي الرئاسة والخارجية الفرنسية تجاه قضية تهجير الفلسطينيين، وذلك على النحو التالي:

دعم فرنسا للقضية الفلسطينية

(*) الرئاسة الفرنسية: انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 12 فبرير 2025، خطة نظيره الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، التي تشمل تهجير سكان القطاع مع سلبهم حق العودة إليه. وفي مقابلة له مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، دعا ماكرون إلى "احترام الفلسطينيين وجيرانهم العرب"، رافضًا فكرة إجبار سكان غزة على النزوح الجماعي من وطنهم. وقال "ماكرون" في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" إن طرد سكان غزة، البالغ عددهم 2,2 مليون نسمة إلى الدول العربية المجاورة، سيكون خطيرًا للغاية. وأضاف: "بالنسبة لي، الحل ليس حلًا عقاريًا، بل هو حل سياسي"، وأشار ماكرون إلى خطة ترامب، بالقول "إن عملية إعمار غزة لا تعني بالضرورة عدم احترام سكانها وترحيلهم".

بينما كانت فرنسا داعمة لإسرائيل في بداية حرب غزة، ندّد "ماكرون" علنًا بسلوك جيش الاحتلال الإسرائيلي في عملياته العسكرية في القطاع الفلسطيني وفي لبنان. فقد علّقت فرنسا صادرات الأسلحة إلى إسرائيل في أكتوبر 2024، داعية الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها، ما سبّب أزمة دبلوماسية مع إسرائيل.

وقال ماكرون لـ"سي إن إن": "كررت دائمًا خلافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لا أعتقد، مرة أخرى، أن مثل هذه العملية (العسكرية) الضخمة التي تستهدف أحيانًا مدنيين هي الإجابة الصحيحة"، وسلّط "ماكرون" الضوء على "رغبات الفلسطينيين في البقاء في وطنهم"، وعدم رغبة كل من الأردن ومصر في قبول لاجئين غزيين.

(*) الخارجية الفرنسية: قالت وزارة الخارجية الفرنسية، في 28 يناير 2025، إن التهجير القسري لفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن وفق ما اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيكون غير مقبول، ومن شأنه تقويض حل الدولتين. وأضاف الناطق باسم الخارجية الفرنسية: "هذا الأمر ليس انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي فحسب، بل إنه أيضًا تقويض كبير لحلّ الدولتين وعنصر مزعزع لاستقرار شريكينا المقرّبين مصر والأردن".

دلالات مهمة

يحمل الموقف الفرنسي الرافض لخطة ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، بين طياته العديد من الدلالات السياسية والدبلوماسية المهمة والمتمثلة فيما يلي:

طرق ووسائل استثمار الموقف الفرنسي تجاه تهجير الفلسطينيين

(&) دعم فرنسا للحقوق الفلسطينية: تُظهر فرنسا من خلال هذا الموقف أنها تساند الحقوق الوطنية للفلسطينيين، بما في ذلك الحق في العودة والعيش بكرامة في دولتهم المستقلة. لذلك ترفض فرنسا أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة أو فرض حلول خارج إطار المفاوضات.

(&) دعم حل الدولتين: يعكس الموقف الفرنسي تأكيدًا قويًا على التزام باريس بحل الدولتين، وهو الحل الذي دأبت فرنسا على دعمه لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لذلك ترى السلطات الفرنسية أن أي محاولات لتغيير الواقع الديمغرافي في غزة أو تهجير الفلسطينيين تتناقض مع هذا الحل، وتعتبر ذلك تهديدًا لفرص السلام المستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

(&) التزام فرنسا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان: يبرز رفض فرنسا لخطة ترامب التزامها القوي بالقانون الدولي، خصوصًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية السكان المدنيين، فالتهجير القسري للفلسطينيين يتعارض مع القوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان المدنيين قسرًا من الأراضي المحتلة.

(&) تعزيز الدور الفرنسي في المنطقة العربية: يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خلال هذا الموقف، إلى تعزيز دور بلاده كقوة دبلوماسية في المنطقة، محاولًا التفرد بدور القيادة الأوروبية في دعم القضية الفلسطينية، ويعكس رفض الخطة الأمريكية الفرنسية في التميُّز عن المواقف التي قد تُظهر تأييدًا أو تقبلًا من جانب بعض الأطراف الأوربية لخطوات الولايات المتحدة أحادية الجانب.

(&) الإدراك الفرنسي لتداعيات تهجير الفلسطينيين على أمن المنطقة: يهدف الموقف الفرنسي إلى التحذير من تداعيات خطة ترامب التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة. فتهجير الفلسطينيين من غزة، يمكن أن يؤدي إلى تصاعد التوترات مع دول الجوار مثل مصر والأردن.

(&) المساعي الفرنسية في محاولة منع أي تغييرات أحادية في الوضع القائم: تدعو فرنسا إلى حل سياسي تفاوضي، وتعارض أي حلول أحادية مثل اقتراح ترامب، لذلك يعكس موقف إدارة ماكرون إيمانها بضرورة تحقيق تقدم في هذا الملف عبر مفاوضات متعددة الأطراف تراعي مصالح جميع الأطراف المعنية.

ويتبين مما سبق، أن فرنسا ترفض في الوقت الراهن أي ممارسات قد تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين أو تهديد حقوقهم الأساسية، بما في ذلك التهجير القسري وفقًا للمخططين الأمريكي والإسرائيلي، وهو موقف ينسجم من دعوة فرنسا بشكل دائم إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال المفاوضات بين الطرفين بناءً على مبدأ "حل الدولتين" الذي يعترف بإسرائيل وفلسطين كدولتين مستقلتين تعيشان بسلام وأمن جنبًا إلى جنب. ويمكن القول إن الموقف الفرنسي تجاه تهجير الفلسطينيين، يعكس حرصًا فرنسيًا على تحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط، ويؤكد أهمية الالتزام بالقوانين الدولية وحماية حقوق الفلسطينيين، الأمر الذي من شأنه تعزيز دورها كداعم رئيسي للسلام بين العرب وإسرائيل، لذلك يتعين الاستثمار العربي في هذا الموقف والبناء عليه، فالموقف الفرنسي الرسمي من تهجير الفلسطينيين، يعكس التزام باريس بحل الدولتين وبحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة إلى جانب إسرائيل.