الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أين وصل مستوى التوتر الدبلوماسي الحالي بين فرنسا وإسرائيل؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

على ما يبدو في الأفق، دخول العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل حلقة جديدة من التوتر بينهما، الأمر الذي يؤكده إعلان قصر الإليزيه استنكاره لتصريحات رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي تعليقًا على دعوة الرئيس الفرنسي لوقف تسليم الأسلحة لبلاده.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا إلى وقف تسليم الأسلحة التي تستعملها إسرائيل في غزة، إذ صرّح لإذاعة فرنسا الدولية بأن "الأولوية الآن للعودة إلى الحل السياسي، ووقف تسليم الأسلحة، التي تستعمل في القتال في غزة". 

وأثارت تصريحات ماكرون انتقادات سريعة من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ردّ قائلًا: "عار عليكم"، في إشارة إلى ماكرون وقادة أوروبيين آخرين، دعوا إلى ما وصفه هو بأنه "حظر للأسلحة على إسرائيل"، وقال نتنياهو في مقطع فيديو، سجّله مكتبه: "إسرائيل ستنتصر بدعم منهم، أو بلا دعم منهم"، مضيفًا أن الدعوة إلى حظر الأسلحة "وصمة عار".

في هذا السياق، يأتي هذا التحليل للإجابة عن سؤال: ما مدى التوتر الراهن في العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل؟

مؤشرات واضحة:

يمكن تفسير أهم مسببات هذه الأزمة، وكذلك الوقوف على أهم هذه مؤشراتها الحالية، فيما يلي:

(*) المحادثة المتوترة بين وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو ونظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أول أمس السبت، بشأن الرد الإسرائيلي على إيران: فقد دعا الوزير الفرنسي لعدم ضرب مواقع إيران النووية، وذلك وفقًا لما ذكرته القناة 12 العبرية، في المقابل، طلب كاتس من نظيره الفرنسي الكف عن المطالبة بوقف إطلاق نار يتيح لحزب الله اللبناني تنظيم صفوفه، كما قال له إن الهجوم الإيراني كان وحشيًا ويجب الرد بطريقة مناسبة لردع طهران، فيما أوضحت القناة العبرية، أن وزير خارجية فرنسا أبلغ كاتس أن باريس تقر بحق إسرائيل في الرد لكنها تفضل ردًا بحكمة يمنع التصعيد.

(*) التصريحات التي وصلت لحد المشادة الكلامية بين قيادتي الدولة الفرنسية والدولة العبرية في الأيام الأخيرة: فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، نقلًا عن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وقف إرسال الأسلحة لإسرائيل: "عار عليك وإسرائيل ستنتصر بدعمك أو بدونه".

وفي تصريحات لإذاعة "فرانس إنتر"، قال ماكرون: "في اعتقادي، الأولوية حاليًا هي العودة إلى الحل السياسي، والتوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل لمواصلة حربها في غزة"، مؤكدًا أن باريس لا تقوم بتسليم الأسلحة إلى تل أبيب.

ملامح الموقف الفرنسي:

يتجسد الموقف الفرنسي الرسمي فيما أعرب عنه ماكرون، السبت الماضي، أمام القمة الفرنكوفونية في باريس، عن قلقه مجددًا من تواصل الحرب في غزة، على الرغم من النداءات لوقف إطلاق النار، كما انتقد "ماكرون" قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن التدخل العسكري في لبنان، خصوصًا القيام بـعمليات برية.

وقال ماكرون خلال المؤتمر الصحفي الختامي للقمة التاسعة عشرة للمنظمة الفرنكوفونية في باريس: "آسف لكون رئيس الوزراء نتنياهو قام بخيار آخر بدل وقف إطلاق النار الذي اقترحته باريس وواشنطن، وتحمّل هذه المسؤولية، خصوصًا تنفيذ عمليات برية على الأراضي اللبنانية.

يمكن تحديد أهم مظاهر هذا التضامن الفرنسي مع لبنان، فيما يلي:

(*) مطالبة الرئيس الفرنسي لإسرائيل بوقف إطلاق النار في لبنان بصفتها عضو المنظمة الدولية للفرنكوفونية: فقد أعلن ماكرون أن الأعضاء الـ88 في المنظمة الدولية للفرنكوفونية، وبينهم فرنسا وكندا وبلجيكا، يطالبون بالإجماع، بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في لبنان، العضو بدوره في المنظمة، مع استمرار الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مناطق لبنانية عدة. 

وقال ماكرون في مؤتمر صحفي اختتم به القمة الـ19 للمنظمة أول أمس: "أعربنا بالإجماع عن تأييدنا لوقف فوري ودائم لإطلاق النار، وأكدنا التزامنا احتواء التوترات في المنطقة"، وتوجه ماكرون بالشكر إلى أعضاء المنظمة بعدما وافقوا على أن تنظم فرنسا مؤتمرًا دوليًا لدعم لبنان في أكتوبر.

(*) مطالبة فرنسا لإسرائيل بإنهاء عملياتها العسكرية في أسرع وقت ممكن في كل من لبنان وغزة: فقد أصدرت الرئاسة الفرنسية بيانًا في الثاني من أكتوبر الحالي طالبت فيه تل أبيب بإنهاء عملياتها العسكرية في أسرع وقت ممكن، وأشار هذا البيان إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصدر تعليمات لوزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بالسفر إلى الشرق الأوسط لإجراء مشاورات بشأن وقف التصعيد في لبنان وقطاع غزة، وفي الشهر الماضي، قال ماكرون في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن ليس هناك مبرر لقتل آلاف المدنيين، كما دعا حينها إلى وقف إطلاق النار في أقرب فرصة ممكنة.

(*) عضوية فرنسا في اللجنة الثلاثية التي تضم فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة لنزع فتيل التوتر بين حزب الله اللبناني وإسرائيل قبل التصعيد الحالي: فقد وافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الثالث من يونيو الماضي على تشكيل لجنة ثلاثية تضم فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة لمناقشة خريطة طريق لنزع فتيل التوتر بين جماعة حزب الله اللبنانية وإسرائيل، تم تقديمها في الثالث من شهر يونيو الماضي تستهدف إنهاء العنف من الجانبين وانسحاب قوات الرضوان (وحدة النخبة التابعة لجماعة حزب الله) والجماعات المسلحة الأخرى على بُعد عشرة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، وفقًا لمسؤولين لبنانيين.

وتنص خريطة الطريق على أن تتمتع قوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) بحرية الحركة الكاملة في المنطقة، وأن يلعب الجيش اللبناني دورًا متزايدًا هناك، كما يجب تعزيز قواته.

وقال ماكرون وقتها: "لقد شاركنا جميعًا القلق بشأن الوضع على الحدود مع لبنان وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية"، وأضاف: "لقد اعتمدنا مبدأ الشراكة الثلاثية بين إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا للمضي قدمًا في خريطة الطريق التي اقترحناها، وسنفعل الشيء نفسه مع السلطات اللبنانية".

وكانت باريس قد قدمت مبادرة أولى إلى الطرفين اللبناني والإسرائيلي، لكن تم تعديلها في أول مايو الماضي، بناء على طلب بيروت، التي اعتبرت النسخة الأولى مواتية للغاية للأطروحات الإسرائيلية.

حقيقة الموقف الفرنسي:

على الرغم مما سبق ذكره بشأن التضامن الفرنسي مع غزة ولبنان خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي الراهن على الأراضي اللبنانية في ظل صراعها مع حزب الله اللبناني، فإن التضامن الفرنسي مع إسرائيل على أرض الواقع أقوى بكثير وعلى أكثر من مسار في الصراع المتصاعد في الوقت الراهن، ويتأكد ذلك في ضوء الحقائق التالية:

(*) تأكيد فرنسا الدائم حتى الآن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها: الأمر الذي تؤكده مشاركة القوات الفرنسية في صد الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل، وذلك على الرعم من تأكيد فرنسا أن هذه المشاركة جاءت لوقف التصعيد في المنطقة. والشيء نفسه فعلته فرنسا بشأن الوقوف إلى جانب إسرائيل في صد الهجوم الإيراني عليها في أبريل الماضي.

(*) تضامن فرنسا مع أمن إسرائيل حتى لو على حساب الحق الفلسطيني: ومن مظاهر هذا التضامن استقبال الرئيس الفرنسي عائلات الضحايا الفرنسيين - الإسرائيليين الذين سقطوا في هجوم حركة حماس الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023.

وفي النهاية، يجب تأكيد أن التوتر الدبلوماسي الحالي بين إسرائيل وفرنسا -أحد أهم الحلفاء الغربيين لإسرائيل- هو توتر محدود ولم يخرج عن التصريحات الاعلامية والمشادة الكلامية بين مسؤولي وقيادة الدولتين، ولا يتعدى أثره أكثر من الإحراج اللفظي للدولة العبرية التي دائمًا وأبدًا لا تكترث بمثل هذا الإحراج. والدليل على ذلك أنه لم يترتب حتى الآن اتخاذ أي رد فعل بسبب هذا التوتر من أي من الطرفين على أرض الواقع.

وخلاصة القول هنا، أن التوتر الدبلوماسي الحالي بين فرنسا وإسرائيل مرجعه الموقف الإسرائيلي المتنامي بتصعيد الصراعات على جبهات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا التصعيد يتم سواء عبر الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 أو على لبنان وصولًا إلى التصعيد الراهن مع إيران، بما قد تصل الأمور معه إلى مواجهة مفتوحة ومباشرة بين إيران وإسرائيل. وإزاء هذا الموقف الإسرائيلي المتعنت جاء رد فرنسا بالدعوة إلى التوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل لمواصلة حربها في غزة سعيًا منها للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، فضلًا عن حثها بعدم استهداف منشآت إيرانية في هجومها المحتمل قريبًا على طهران.

وقد يفسر هذا التوتر الراهن بين فرنسا وإسرائيل بعدة عوامل أهمها: اتجاه فرنسا إلى إحداث نوع من التوازن في دعمها لإسرائيل ضمن باقي حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وبريطانيا من الداعمين لإسرائيل بلا حدود أو قيود من جانب، وبين تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ومع العالم الإسلامي العربي من جانب آخر. وتتخوف فرنسا من دعمها المستمر لإسرائيل من إشعال التوترات العميقة في الداخل الفرنسي. فيعيش في فرنسا نحو نصف مليون يهودي، وفي الوقت نفسه يعيش ما لا يقل عن ستة ملايين عربي ومسلم في فرنسا البالغ عدد سكانها نحو 70 مليون شخص، معظمهم من المغرب العربي، ما يجعلهم أكبر مجتمع مسلم عربي في أوروبا.

وقد يأتي هذا الموقف الفرنسي المتغير من وجهة النظر الإسرائيلية كذلك في ضوء إدراك الجانب الفرنسي لمدى مخاطر التضامن المستمر مع إسرائيل، خاصة إزاء التصعيد الراهن مع إيران التي تسعي إلى تحييد القوى الداعمة لإسرائيل في الوقت الراهن. فهذه المخاطر يمكن تبينها واكتشافها في إعلان هيئة الأركان الإيرانية في بيان لها -عقب الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل في الأول من شهر أكتوبر الجاري- أنه في حالة التدخل المباشر للدول الداعمة لإسرائيل في أي هجوم على إيران، فإن قواعدها ومصالحها في المنطقة ستواجه ردًا قويًا.