الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحديات تشكيل قوة سلام أوروبية في أوكرانيا

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الفرنسي والأوكراني ورئيس الوزراء البريطاني في قمة باريس

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاءت استضافة فرنسا بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون وفودًا من نحو 30 دولة في 27 مارس 2025، في محاولة لبلورة موقف أوروبي مشترك لدعم أوكرانيا، وبحث الموقف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية وجهود تحقيق السلام، لا سيما بعد أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات مباشرة مع كلٍ من روسيا وأوكرانيا من دون مشاركة أوروبية، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلًا رئيسيًا حول مدى قدرة الدول الأوروبية على توفير الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا، في ظل التقارب الأمريكي الروسي، والذي يعتبره البعض خَصمًا من رصيد العلاقات الأوروبية الأمريكية التي اتسمت بالتباعد منذ تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، ومطالبته بأن تتحمل أوروبا تكاليف الحفاظ على أمنها.

أهداف متعددة

هناك العديد من الدوافع التي أدت إلى دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعقد القمة الأوروبية بباريس لدعم أوكرانيا، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:

(*) مساندة الموقف التفاوضي لأوكرانيا: إذا كانت المفاوضات التي تخص الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية بدأت بمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وكذلك بين أوكرانيا والولايات المتحدة، فإن بعض الدول الأوروبية اعتبرت ذلك التوجه نوعًا من الضغط على كييف للقبول بخطة الرئيس الأمريكي لتحقيق السلام في أوكرانيا، وهي الخطة التي اعتبرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير موجودة، بل ذهب إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يمتلك خطة لتحقيق السلام في أوكرانيا. لذلك جاء تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام قمة باريس للتأكيد على أن أحد أهدافها هو جعل أوكرانيا في أفضل موقف ممكن خلال المفاوضات، ودراسة مقترحات بشأن كيفية مراقبة وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.

(*) تدشين قوة أوروبية مشتركة في أوكرانيا: طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبيل انعقاد القمة بيوم واحد أن القوة المقترحة قد يتم نشرها في مدن أوكرانية مهمة بالتزامن مع اتفاق سلام محتمل، ويمكنها الرد إذا شنت موسكو هجومًا مجددًا، وقال ماكرون: "إذا كان هناك عدوان عام جديد على الأراضي الأوكرانية، فستكون هذه الجيوش، في الواقع تحت الهجوم، وبالتالي ستخضع للأطر المعتادة للاشتباك".

ودافع ماكرون عن ذلك الاقتراح، معتبرًا أنه احتياطي استراتيجي للمساعدة في ردع أي عدوان روسي جديد، وشدد على أن هذه الوحدات لن تذهب إلى الجبهة حتى لو اضطرت إلى الرد إذا تعرضت لهجوم، مضيفًا أنه لن تكون قوة مراقبة لوقف محتمل لإطلاق النار ولا قوة تدخل، متحدثًا عن إمكانية القيام بعملية حفظ سلام منفصلة يمكن أن تكون تحت تفويض الأمم المتحدة.

(*) صياغة استراتيجية دفاعية أوروبية: تزامن انعقاد قمة باريس لدعم أوكرانيا مع هجمات روسية بالصواريخ والطائرات المُسيّرة على الأراضي الأوكرانية، وهو ما يجدد طرح ماكرون بشأن صياغة استراتيجية دفاعية أوروبية، والتي أعلن عنها في 25 أبريل 2024 عندما ألقى خطابًا شاملًا بجامعة السوربون في فرنسا حول أوروبا، دعا فيه إلى صياغة استراتيجية دفاعية أوروبية ذات مصداقية في مواجهة الصواريخ الروسية، مشيرًا إلى أنه لمواجهة فك الارتباط الأمريكي "نحتاج إلى أوروبا قوية قادرة على فرض احترامها وضمان أمنها واستعادة استقلالها الاستراتيجي"، وعدَّد ماكرون التحديات التي تواجه القارة الأوروبية منها التدهور الاقتصادي مقارنة بالصين والولايات المتحدة الأمريكية، والتحدي الروسي الذي يتطلب بناء القدرة الأوروبية في مجال الأمن والدفاع السيبراني، وأن أوروبا ربما تحتاج إلى درع مضاد للصواريخ.

(*) توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا: سعت القمة إلى توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أن الوفود التي تشارك في مؤتمر باريس تعمل على تعزيز أمن أوكرانيا وأمن أوروبا بأسرها، وأن تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها هو نقطة البداية على طريق دعم الأمن الأوروبي، مؤكدةً أن القارة في حاجة لخطة مشتركة طويلة المدى.

(*) صياغة دور أوروبي: هدفت القمة إلى صياغة دور أوروبي في المحادثات القائمة لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني، لا سيما بعد أن انطلقت المفاوضات بشكل مباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من ناحية، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي جعل مناقشات القمة تركِّز على كيفية الدعم الأوروبي لأوكرانيا سياسيًا وعسكريًا، وتعهد ماكرون بتقديم دعم عسكري فرنسي لأوكرانيا بقيمة ملياري يورو إضافية، يشمل صواريخ وطائرات حربية ومعدات دفاع جوي.

تحديات ماثلة

إذا كانت هذه القمة تعد الثالثة لما أطلقت عليه فرنسا وبريطانيا "تحالف الراغبين"، والتي تعكس القلق الأوروبي من تغير معادلة الصراع بعد تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن مساندة أوكرانيا، فإن طرح فكرة تدشين قوة أوروبية مشتركة في أوكرانيا يواجه تحديين رئيسيين هما:

التحدي الأول يرتبط بالدول الأوروبية نفسها والتي لا يزال أغلبها متردد في إعلان المشاركة في القوة الأوروبية المشتركة، فباستثناء بريطانيا وفرنسا اللتين تعهدتا بإرسال قوات إلى أوكرانيا تتردد أغلب الدول الأوروبية في تقديم ضمانات علنية، فالدول الأوروبية لا تزال غير قادرة على التحرك منفردة، بعيدًا عن الحليف الأمريكي، وهو الأمر الذي تجلى في إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن أي وجود عسكري بريطاني سيكون مستدامًا فقط بدعم أمريكي.

أما التحدي الثاني فإنه يرتبط بالرفض الروسي لوجود تلك القوات على الأراضي الأوكرانية، إذ اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فرنسا وبريطانيا في 27 مارس 2025 بالتخطيط لتدخل عسكري في أوكرانيا تحت ستار مهمة حفظ سلام، مضيفةً أن مثل هذا التدخل قد يؤدي إلى صدام عسكري مباشر بين روسيا وحلف الناتو.

مجمل القول: تأتي قمة باريس لدعم أوكرانيا لتحاول استكشاف القدرات الأوروبية لكيفية مساندة أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا من خلال تدشين قوة مشتركة وُصِفت بأنها قوة طمأنة للأوكرانيين حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، غير أن هذا الدعم الأوروبي يواجه العديد من التحديات اللوجيستية والسياسية والاقتصادية التي أفشلت الخروج بالتزام واضح بتشكيل قوة حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، بما يجعل الموقف الأمريكي من تسوية الصراع الروسي الأوكراني هو المتغير الحاسم لتقرير مصير أوكرانيا، ويجعل الضمانة الأمنية الأوروبية تحت المظلة الأمريكية إلى حين.