"سيدة الشاشة العربية" لم يكن لقبًا عابرًا حظيت به الفنانة الراحلة فاتن حمامة، لكنه كان تجسيدًا حقيقيًا لتربعها على عرش الفن المصري والعربي لعقود طويلة بأعمال حُفرت في ذاكرة المشاهد، فهي جزء من ذاكرة القوة الناعمة التي عاشت في قلب جمهورها العريض من المحيط للخليج، لتُحدث تغيرًا جذريًا في السينما منذ دخولها الساحة الفنية ووقوفها أمام الكاميرا في عمر مبكر، إذ لم تتجاوز وقتها 6سنوات من عمرها أمام الفنان محمد عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد" الذي تقاضت عنه 10 جنيهات، بحسب ما ذكرته في لقاء سابق لها.
فاتن حمامة - التي تحل اليوم ذكرى وفاتها- استطاعت أن تنضج فنيًا مبكرًا بعد أن فتحت النجومية لها أوسع أبوابها ليطلبها الجمهور بالاسم، بل وتقرر مَن يشاركونها البطولة من الفنانين، تقول عن ذلك: "كنت أرى مَن يصلح ليكون بطلًا في العمل لدرجة أن كثيرًا من الفنانين كانوا يتضايقون مني حينما يصلهم أنني رفضت وجودهم في العمل، لكنني كنت أرى مَن يصلح لتقديم الدور حتى وإن كان مَن سيشاركني العمل فنانًا لا أحبه".
٤ أيام في الفيوم
كان فيلم "دعاء الكروان" يُمثّل مرحلة نضج فني لفاتن حمامة، وقالت في لقاء نادر لها: "هذا الفيلم من أكثر الأفلام التي أحببتها رغم أن الجمهور تعلّق أكثر وأحب فيلم "بين الأطلال"، فرغم أن الدور "كان حلو" لكني لا أحب هذا النوع من الميلودراما، وكنت أذهب كل يوم للبيت وأنا حزينة وقلبي مقبوض بعد تصوير "بين الأطلال"، وكنت أعرف أنني أذهب للاستديو لتقديم دور يوجع القلب، فكنت أكره هذا النوع من الأعمال، فأنا شخصيًا أحب الضحك".
تستكمل فاتن حمامة حديثها عن ذكرياتها مع فيلم "دعاء الكروان" الذي قالت عنه: "عندما بدأت الفيلم لم أجد نفسي في البداية، وكنت خائفة من اللهجة وطريقة الأداء، وذهبت لقرى في محافظة الفيوم بسبب هذا الفيلم، وجلست هناك 4 أيام مع البدو الرحالة في خيامهم، وكنت أسأل السيدات في بعض التفاصيل، واكتشفت أنهن يتمتعن بالخجل الشديد، واستعنا بأشخاص من هذه القرى لتصحيح اللهجة، وهو ما ساعدني جيدًا على تقمص الشخصية".
غياب عن المسرح
رغم التاريخ الزاخر لسيدة الشاشة العربية في إثراء الفن بالعديد من الأعمال، إلا أن المسرح لم يكن له وجود في حياتها، وقالت عن ذلك في لقاء سابق لها: "أصعب ما في المسرح هو مواجهة الجمهور وعندما تواجهه لمدة 3 أيام ينكسر حاجز الخوف، وسبق لي التمثيل بالمسرح عندما كنت طالبة في المعهد ولكني لم أقف على خشبة المسرح مرة أخرى، المسرح فن ولكن السينما فن وصنعة، ولابد أن تعطي نفس الإحساس في المشهد حتى وإن قمت بتصويره على فترات متباعدة، وتلك هي صعوبة الأمر، فمثلًا الفيلم يتكون من ساعتين تقريبًا ورغم ذلك نقوم بتصويره في شهرين".
93 فيلمًا
كان للسينما نصيب الأسد من أعمال فاتن حمامة التي تجاوزت 93 عملًا سينمائيا بدأت بأول أفلامها عام 1940 وانتهت علاقتها بالسينما في 1993 من خلال فيلم "أرض الأحلام"، بينما اختير 4 أفلام لها من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وحرصت سيدة الشاشة العربية خلال مشوارها على انتقاء أدوارها بعناية فائقة، فقدمت دور السيدة البسيطة، وناقشت من خلال فيلم "أفواه وأرانب" مشكلة كثرة الإنجاب وتوابعها الاقتصادية على المجتمع والأبناء، وفي فيلم "الاستاذة فاطمة" نادت بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة، نظرًا لامتلاكها مُقومات كثيرة عقلية ومهنية، كما قدمت السيدة العاملة المُعيلة التي تتولى مسؤولة أسرة بمفردها وتجمع بين نجاحها أسريًا ومهنيًا في فيلم "إمبراطورية ميم" مع الفنان أحمد مظهر الذي قالت عنه إنها تعتبره من أكثر الفنانين الذين تحب الوقوف أمامهم، وكشفت أن هذا الفيلم كان مكتوبًا لرجل لكنها طلبت تعديله ليُكتب لسيدة وتقوم بتجسيد البطولة.
تحدثت فاتن حمامة عن فيلم "حبيبتي" مع الفنان محمود ياسين الذي قدمته في السبعينيات، وقالت إن السبب وراء عدم نجاحه أن الجمهور أحب البطلة ثم ماتت في النهاية بدون مبرر، فكانت من الأسباب في فشل العمل رغم ارتباط الجمهور به.
رشدي أباظة
تمتعت فاتن حمامة بالحِكمة والذكاء الشديد، وكانت تُعالج بعض السلبيات التي تواجهها بأسلوب يعكس ثقافتها وحكمتها لتسرد رأيها في بعض زملائها من الفنانين، وتقول عن علاقتها بالفنان أحمد رمزي الذي شاركها بطولة فيلم "صراع في الوادي" خلال لقاء لها مع الإعلامي وجدي الحكيم: "رمزي كان مثالًا للشاب المُلتزم في مواعيده، وهو بخلاف رشدي أباظة الذي كان يتأخر عن مواعيده لأكثر من ساعتين، وأتذكر عندما قدّمت معه فيلم "لا وقت للحب" تأخر عن موعده ولم يكن جاهزًا بالمرة، وكانت الكاميرا من الساعة 10 صباحًا وكنت موجودة قبلها من الثامنة صباحًا في الاستديو لكي أكون جاهزة، فطلبت من فريق العمل ألا يخبروه شيئًا عن تأخره، وفي اليوم التالي جلست انتظره على الباب الداخلي ووجدني جاهزة فشعر بالخجل وجاء في اليوم الثالث في موعده، وبهذا الشكل تغلّبت على إشكالية تأخره في مواعيده".
واقعية وابتعاد عن الكوميديا
غلبت على أعمال فاتن حمامة الواقعية في أفلامها، وكانت تميل للدراما الجادة التي تناقش موضوعات وقضايا وابتعدت عن الأدوار اللايت كوميدي لتكشف سر ابتعادها عن هذا النوع من الفن، وتقول في لقاء لها: "أفضّل الفيلم الكوميدي وتحديدًا الكوميديا السوداء، خاصة إذا كان مكتوبًا بشكل جيد، فالموقف هو الذي يُضحك الناس على مصائبهم ويكون من أجمل الأعمال التي أحبها، وأنا لم أجد أعمالًا مناسبة لتقديمها، والمسألة ليست في استخفاف الدم ولكن طريقة كتابة الموقف نفسه ليكون مُضحكا".
الحياة الزوجية
كان للحياة الزوجية ودفء الأسرة نصيب من حياة سيدة الشاشة العربية، التي تزوجت 3 مرات، الأولى من المخرج عز الدين ذو الفقار الذي شاركت معه عددًا من الأعمال مثل "أبو زيد الهلالي" و"نهر الحب" وغيرهما، ثم تزوجت من الفنان العالمي عمر الشريف، ثم الطبيب محمد عبد الوهاب، كما عملت مع كبار المخرجين مثل صلاح أبو سيف في فيلم "لك يوم يا ظالم"، ومع يوسف شاهين في أروع أعماله مثل فيلم "بابا أمين" و"صراع في الوادي" الذي وصلت به إلى مهرجان "كان" السينمائي.
خوف من العالمية
وعن خطوة العالمية في حياة فاتن حمامة قالت إنها تخوفت من هذه الخطوة، لأنها كانت تخشى أن يعرض عليها فيلم مُخالف للعادات والتقاليد التي ظلت محافظة عليها طوال الوقت في أعمالها الفنية لتضرب مثالًا في الالتزام.
"ضمير أبلة حكمت"
كانت فاتن حمامة ضمير المجتمع وعبّرت بصدق عنه وليس فقط "ضمير أبلة حكمت" هذا المسلسل الذي ناقش مشكلات واقعية وعلى رأسها قضية التعليم، وتقول سيدة الشاشة عن هذا المسلسل: "كانت تشغلني قضية التعليم وتحدثت مع المخرجة أنعام محمد علي وأخبرتها أنني أرغب في تقديم عمل يناقش هذه القضية، ووجدتها تقول لي أنا عندي مسلسل يقدم نفس الفكرة، وقمت بتجسيد شخصية" ماري سلامة" في هذا المسلسل وارتديت نظارتها، ووجدت نماذج كثيرة لسيدات أقوياء مثل أبلة حكمت".
كانت فاتن حمامة سفيرة لبلدها بفنها وحصلت على العديد من الأوسمة والجوائز من بلدان شتى لتقول عن مواصفات السفير الفني: "حب الناس هو ما يجعل الفنان سفيرًا، ويضعه في هذه المكانة"، ورغم رحيلها عام 2015 لكنها حاضرة بأعمالها القيمة، بعد أن شكّلت وجدان المشاهد العربي لتكون استثنائيتها في فنها وأدائها.