كشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن تفاصيل مثيرة تعكس عُمق الأزمة السياسية التي تعصف بقصر الإليزيه، إذ يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحديات غير مسبوقة في علاقته برئيس وزرائه الجديد فرانسوا بايرو، في وقت تتراجع فيه شعبيته بشكل حاد وتتزايد الضغوط عليه من جميع الاتجاهات السياسية.
صراع السلطة يشتعل
كشفت "إكسبريس" عن توتر متصاعد بين قصر الإليزيه ومقر رئاسة الوزراء في ماتينيون، إذ إن عشية إعلان السياسة العامة للحكومة، زار بايرو الرئيس ماكرون لتناول العشاء، وحاول الرئيس تقديم نصائحه حول الخطاب المرتقب، لكن تجاهل رئيس الوزراء لتوجيهاته وعدم تدوينه لأي ملاحظات، أثار حفيظة ماكرون، بحسب الصحيفة.
وفي ساعة متأخرة من الليل، نقلت الصحيفة عن ماكرون قوله لأحد مقربيه بامتعاض: "هل تتخيل؟ لم يدوّن أي ملاحظة!"، ما يعكس تحولًا جذريًا في العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، حيث يصر بايرو على تأكيد استقلاليته وسلطته الدستورية في "تحديد وقيادة سياسة الأمة".
معركة النفوذ
كما كشفت الصحيفة تفاصيل حول طريقة إدارة بايرو للحكومة، إذ يتخذ قراراته بشكل منفرد دون تنسيق مسبق مع الوزراء أو الرئاسة، فقد فوجئ الوزراء، بمن فيهم وزراء الصف الأول، بعدم استشارتهم في صياغة خطاب السياسة العامة للحكومة.
حتى وزيرة العمل والصحة، كاترين فوتران، لا تزال تنتظر إجابة من رئيس الوزراء حول موقفه من قضية نهاية الحياة، رغم أنها طرحت السؤال عليه مباشرة.
ويصف أحد أعضاء الحكومة أسلوب بايرو قائلاً: "فرانسوا في حالة إنتاج ذاتي"، مشيرًا إلى أن هذه السمة الشخصية تحولت إلى استراتيجية عمل.
أزمة ثقة وصراع شخصي
وكشفت الصحيفة أيضًا عن جانب شخصي عميق في الأزمة بين ماكرون وبايرو، إذ إن الرئيس الفرنسي، الذي لم يكن يرغب أصلًا في تعيين بايرو رئيسًا للوزراء، حيث قال لأحد مقربيه في ديسمبر المنصرم: "لن أعيّنه، إنه لا يفعل شيئًا!".
وتنقل "إكسبريس" عن مصدر مقرب من ماكرون قوله إن الرئيس "في حالة كراهية" و"مصدوم من العنف الذي أظهره بايرو" في طريقة فرض نفسه في المنصب.
هذه التوترات تعكس أزمة ثقة عميقة بين الرجلين، وخاصة أن بايرو يتصرف بطريقة رئاسية، بينما يميل ماكرون إلى التدخل في التفاصيل الدقيقة للعمل الحكومي.
تحديات متعددة
وفي خضم هذه الصراعات الداخلية، يواجه ماكرون تحديات خارجية متزايدة، إذ أظهر استطلاع حديث للرأي أن 58% من الفرنسيين يرغبون في استقالته، وهو مؤشر خطير على تراجع شعبيته.
كما يواجه الرئيس تراجعًا في الاهتمام الإعلامي بنشاطاته الخارجية، وهو ما لاحظه بنفسه خلال جولاته الدبلوماسية الأخيرة.
وفي تطور لافت، كشفت "إكسبريس" أن أليكسيس كولر، الأمين العام للإليزيه والرجل الأقرب للرئيس، كان على وشك الاستقالة، قبل أن يتراجع عن قراره نظرًا لحساسية الوضع السياسي.
تحولات سياسية عميقة
وفي مؤشر على التحولات العميقة في المشهد السياسي الفرنسي، كشفت الصحيفة عن تطور لافت في العلاقة بين ماكرون ومعارضيه التقليديين، فعندما توفي جان-ماري لوبان، اختار ماكرون الاتصال شخصيًا بابنته مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، لتقديم التعازي، بدلًا من إرسال رسالة رسمية باردة، هو ما جعل الصحيفة تشير إلى أن هذا التحول في العلاقات السياسية يعكس إدراك ماكرون لتغير موازين القوى في فرنسا، وربما محاولته التكيف مع واقع سياسي جديد يتشكل في البلاد.
وفي الختام تخلص "إكسبريس" إلى أن فرنسا تمر بمرحلة سياسية استثنائية تتحدى الأعراف التقليدية للجمهورية الخامسة، فالعلاقة المتوترة بين الرئيس ورئيس الوزراء، والتحديات الداخلية والخارجية المتزايدة، والتحولات في المشهد السياسي، كلها عوامل تجعل مستقبل النظام السياسي الفرنسي غير واضح المعالم.