يترقب المراقبون السياسيون في فرنسا خطاب السياسة العامة الذي سيلقيه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، غدًا الثلاثاء 14 يناير 2025، أمام الجمعية الوطنية، في أول اختبار حقيقي له منذ توليه المنصب، في حين يأتي هذا الخطاب المصيري في وقت يواجه فيه بايرو تحديًا مزدوجًا، وهو الانتقال من دور المحلل السياسي المخضرم إلى موقع صانع القرار، وإدارة أزمات متعددة تتراوح بين إصلاح نظام التقاعد وتمرير الموازنة العامة، وفي ظل تسجيله أدنى مستويات شعبية لرئيس وزراء فرنسي منذ عام 2022، يراهن "بايرو" على هذا الخطاب لتثبيت أقدامه في المشهد السياسي وكسب ثقة البرلمانيين والرأي العام.
خطاب مصيري
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "بايرو" يعكف حاليًا على كتابة خطابه بنفسه، في خطوة تعكس أهمية هذه اللحظة المفصلية في مسيرته السياسية، إذ يأتي هذا القرار في وقت يفتقد فيه بايرو بشدة مستشارته المقربة ماريال دو سارنيز، التي توفيت في يناير 2021، وكانت تُمثّل له "النصف الآخر" في التفكير والفهم السياسي، حسبما يصفها صديقه جان لوي بورلانج، النائب السابق عن حزب الديمقراطي الوسطي.
وبحسب المصادر المقربة من رئيس الوزراء، فإن الخطاب سيكون فرصة "ليعبر عما يؤمن به"، وخاصة أنه يأتي في "لحظة شديدة الاضطراب"، على حد وصف مارك فيسنو، رئيس كتلة حزب الديمقراطي الوسطي (موديم) في الجمعية الوطنية.
مقعد المسؤولية
تسلّط الصحيفة الضوء على التحول الكبير في مسيرة بايرو، الذي اعتاد على مدى ثلاثين عامًا على تحليل المشهد السياسي من موقع المراقب في البرلمان، ليجد نفسه اليوم في قلب العاصفة السياسية.
وتكشف "لوموند" أن رئيس الوزراء، المعروف بثقته العالية بنفسه، يبدي تفاؤلًا لافتًا رغم التحديات الهائلة التي تواجهه.
وقد نقلت الصحيفة عنه قوله لصديق قديم سأله عن أحواله أخيرًا: "أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام"، في حين أن هذا التفاؤل انعكس أيضًا في سلوكه المحلي، حيث فاجأ الجميع في مدينة باو، التي كان يرأس بلديتها، بتوجيه الشكر للمعارضة البلدية، في سابقة هي الأولى من نوعها خلال عشر سنوات.
معركة البقاء
تفصّل "لوموند" المعركة الشرسة التي يخوضها بايرو للتوفيق بين مطالب متناقضة قبل خطابه المصيري، إذ فتح رئيس الوزراء، منذ وصوله إلى المنصب، قنوات اتصال متعددة مع الاشتراكيين والشيوعيين والخضر، في محاولة لضمان عدم تصويتهم لصالح حجب الثقة عن حكومته.
ويُجري "بايرو" اتصالات هاتفية منتظمة مع ممثلي هذه الأحزاب، في استراتيجية تهدف إلى اتفاق لعدم حجب الثقة على المدى القصير وضمان الاستقرار الحكومي.
لكن هذا النهج يواجه تحديات كبيرة، كما يوضح هيرفيه مارسيي، رئيس المجموعة الوسطية في مجلس الشيوخ، قائلًا: "الطريق ضيق للغاية، علينا أن نحصل على شكل من أشكال الحياد من اليسار، دون إغضاب اليمين والماكرونيين، إذا كنا لا نريد الاعتماد على التجمع الوطني. لكن المواضيع المطروحة على الطاولة لا تساعد في ذلك."
وفي مقدمة هذه المواضيع الشائكة يأتي إصلاح نظام التقاعد، الذي يطالب اليسار بتعليقه.
ورغم أن جهود بايرو ووزير الاقتصاد إريك لومبارد في التواصل مع المعارضة تلقى تقديرًا، إلا أن أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، أكد في تصريحات لقناة "بي إف إم تي في" أن "الحساب لم يكتمل بعد".
هذا الموقف أثار ردود فعل غاضبة من اليمين، حيث عارض جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، ولوران فوكيه، زعيم نواب الجمهوريين، بشدة تعليق إصلاح التقاعد، متهمين رئيس الوزراء بـ"التنازل عن كل شيء" لليسار.
رهانات الخطاب
تكشف "لوموند" أن خطاب بايرو غدًا سيتضمن عدة ملفات حساسة، على رأسها مسألة تطبيق النظام النسبي في الانتخابات التشريعية، رغم صعوبة تنفيذه قبل الصيف، كما سيتناول القضايا الملحة المتعلقة بالموازنة وإعادة إعمار مايوت والأزمة الزراعية.
وفي المقابل، من المرجّح أن يتأجل النظر في قانون نهاية الحياة، الذي كان مقررًا مناقشته في فبراير المقبل.
وعلّق إدوارد فيليب، رئيس الوزراء السابق، على هذا الوضع قائلًا: "علينا أن نكون واقعيين، لن نتمكن من فعل الكثير بدون أغلبية صلبة وبرنامج واضح".
ويواجه "بايرو" تحديات شخصية في التواصل الإعلامي، خاصة مع تجنبه الظهور في نشرات الأخبار المسائية بسبب مشكلة التأتأة التي يعاني منها، التي لا تمنحه الوقت الكافي لصياغة أفكاره.
كما أن صورته تعرضت لبعض الانتقادات بسبب قراراته الأولى، مثل استخدامه طائرة فالكون للسفر إلى باو لترؤس المجلس البلدي في 16 ديسمبر الماضي، ما اضطره للمشاركة عن بُعد في مجلس دفاع حول أزمة مايوت التي دمرها إعصار شيدو.
كما أثارت تغريدته على منصة "إكس" بعد وفاة جان-ماري لوبان، التي وصفت إرث زعيم اليمين المتطرف السابق بمجرد "جدل"، غضب اليسار.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن المحلل السياسي دينيس بينجو قوله إن بايرو "كان على حق في وقت مبكر جدًا" في دعوته لتجاوز الانقسامات التقليدية، لكنه "وصل إلى السلطة متأخرًا جدًا، في عام 2025، في وقت يجعل فيه الاستقطاب السياسي معادلة تشكيل حكومة ائتلافية مستدامة شبه مستحيلة".