يواجه رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، فرانسوا بايرو، أحد أصعب التحديات السياسية والاقتصادية في تاريخ فرنسا المعاصر، حيث يقف أمام معضلة حقيقية تتعلق بمستقبل نظام التقاعد في البلاد. فبين ضغوط المعارضة للتراجع عن الإصلاحات السابقة، التي أُقرت في عهد رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، ومتطلبات الاستدامة المالية، يسير بايرو على حبل مشدود قد يحدد مصير حكومته الجديدة، وفق صحيفة "إكسبريس" الفرنسية.
التحديات المالية
وأظهرت الأرقام الصادرة عن المجلس الاستشاري للمعاشات توقعات مقلقة بوصول العجز إلى 14 مليار يورو بحلول عام 2030.
وتأتي هذه التوقعات رغم الإصلاحات التي تم تبنيها في 2023، والتي كان من المفترض أن تساهم في تقليص هذا العجز.
وتزداد خطورة الوضع مع تزامن هذه الأزمة مع التزام فرنسا بخفض عجزها العام إلى ما دون 3% بحلول 2029، وهو ما أكده وزير الاقتصاد الجديد إريك لومبارد في تصريحاته الأخيرة.
المعادلة الصعبة
وفي تحليل للوضع السياسي، تشير صحيفة "إكسبريس" إلى أن بايرو يجد نفسه في موقف بالغ التعقيد.
فمن جهة، يواجه ضغوطًا متزايدة من حركة التجمع الوطني والجبهة الشعبية الجديدة لإلغاء الإصلاحات بالكامل، ومن جهة أخرى، يدرك تمامًا أن التراجع عن قرار رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا سيكون له تداعيات وخيمة على الاقتصاد الفرنسي.
وفتح بايرو الباب أمام إجراء بعض التعديلات على القانون، في محاولة للموازنة بين المطالب السياسية والضرورات الاقتصادية، لكنه يصر على رفض الإلغاء الكامل للإصلاحات.
تكلفة التراجع عن الإصلاحات
تكشف "إكسبريس" عن حجم الدعم الذي تقدمه الدولة الفرنسية حاليًا، والذي يتجاوز 75 مليار يورو في شكل تخفيضات للرسوم، بهدف تحسين جاذبية سوق العمل.
وتوضح أن أي تراجع عن إصلاحات التقاعد سيؤدي إلى تفاقم الضغوط على نظام يعاني أصلًا من تحديات كبيرة، إذ إن شيخوخة السكان والتباطؤ الاقتصادي يشكلان عبئًا متزايدًا على النظام، في حين أن زيادة الاشتراكات ستؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للشركات الفرنسية وعلى القوة الشرائية للعمال.
نظام معاشات مُستدام
و بحسب "إكسبريس" فإن المخرج من هذه الأزمة يتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى.
وتشمل هذه الرؤية ضرورة تمديد فترة المساهمة في نظام التقاعد لمواكبة الزيادة في متوسط العمر المتوقع، مع العمل على تطوير برامج لتشجيع توظيف كبار السن وتسهيل انتقالهم إلى مهن جديدة تناسب قدراتهم.
كما تؤكد الصحيفة على أهمية تجنب الحلول قصيرة المدى التي قد تبدو جذابة سياسيًا لكنها ستؤدي حتمًا إلى تفاقم المشكلة في المستقبل.
وتخلص "إكسبريس" إلى أن التحدي الحقيقي الذي يواجه فرنسا اليوم، يتمثل في القدرة على بناء توافق وطني حول مستقبل نظام التقاعد، يوازن بين متطلبات العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية.
وتؤكد أن أي حل يجب أن يأخذ في الاعتبار مصالح الأجيال القادمة، وألا يقتصر على معالجة الأزمة الحالية فقط، مشددة على أن مستقبل النموذج الاجتماعي الفرنسي بأكمله قد يكون على المحك.