يشهد الشارع السياسي الفرنسي تحولًا مثيرًا، مع إعلان الحزب الاشتراكي خطوات جريئة نحو الاستقلال عن تحالفه مع اليسار المتطرف، في محاولة لإعادة رسم خريطة المستقبل السياسي للبلاد.
مسار جديد للوسطية السياسية
في تطور للمشهد السياسي الفرنسي، اتخذ الحزب الاشتراكي خطوة غير مسبوقة بمد جسور التواصل مع رئيس الوزراء الوسطي الجديد فرانسوا بايرو، خلال مشاورات تشكيل الحكومة.
و بحسب صحيفة بوليتيكو، فإن هذه المبادرة تمثلت في تقديم الاشتراكيين لما وصفته بـ"غصن الزيتون" وتحديد خطوطهم الحمراء لعدم إسقاط الحكومة الجديدة.
وعلى الرغم من أن المحادثات بين اليسار وبايرو لم تصل إلى نتيجة حاسمة، إلا أن هذا التقارب قد يشكل نقطة تحول في السياسة الفرنسية.
وأوضح أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، في تصريحات خاصة للصحيفة الأمريكية، استعداد حزبه للحوار والتوصل إلى تسويات، في موقف يتناقض بشكل صارخ مع نهج جان لوك ميلانشون، زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف، الذي يواصل تصعيد مواقفه المتشددة.
صراع الهوية والبقاء
تكشف بوليتيكو عن معضلة عميقة يواجهها الحزب الاشتراكي في مساره الجديد، إذ إن الحزب الذي حكم فرنسا بشكل متقطع لمدة 30 عامًا، يجد نفسه اليوم في موقف صعب بين خيارين أحلاهما مر.
فمن ناحية، يحتاج إلى الحفاظ على تحالفه مع اليسار المتطرف؛ لضمان تمثيله البرلماني، ومن ناحية أخرى، يدرك أن هذا التحالف قد يكون عقبة في طريق عودته للسلطة.
وفي هذا السياق، يشير ماثيو جالار، خبير استطلاعات الرأي في مؤسسة إبسوس، إلى أن المعضلة الاستراتيجية الكبرى لليسار تكمن في أن ميلانشون، رغم كونه الأوفر حظًا للفوز بترشيح اليسار، إلّا أنه ليس المرشح الأقدر على الفوز بالانتخابات الرئاسية، حتى في مواجهة اليمين المتطرف.
بوادر الانتعاش
ترصد الصحيفة مؤشرات إيجابية عديدة تدعم مسار الاشتراكيين نحو استعادة مكانتهم السياسية، إذ شهدت الانتخابات الأوروبية الأخيرة نجاحًا لافتًا للمرشح اليساري الوسطي المؤيد لأوروبا، رافائيل جلوكسمان.
كما نجح التحالف اليساري في تحقيق أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المفاجئة.
ويرى الأكاديمي والباحث السياسي ريمي لوفيفر، أن اليسار المعتدل بات "أقل تقييدًا" مما كان عليه في السابق، مشيرًا إلى أن الحزب الاشتراكي نجح في أن يكون الأكثر حضورًا في المشهد السياسي، في حين بدا اليسار المتطرف "هامشيًا".
ومع ذلك، تشير بوليتيكو إلى تحديين رئيسيين يواجهان الحزب، أولهما هو غياب شخصية قيادية كاريزمية قادرة على توحيد الصفوف وقيادة المرحلة المقبلة.
أما التحدي الثاني، وهو الأهم، فيتمثل في ضرورة بلورة رؤية مستقبلية واضحة للبلاد.
ويؤكد السيناتور الاشتراكي رشيد تيمال، أن حزبه بحاجة إلى مراجعة شاملة وتطوير مشروعه السياسي قبل إعادة تقييم تحالفاته، مضيفًا أنه "حتى اليمين المتطرف لديه رؤية للعالم".
ويدرك الاشتراكيون أن الفرصة قد تكون مواتية لاستعادة دورهم التاريخي في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2027.
وتنقل بوليتيكو عن محللين سياسيين تأكيدهم أن نجاح اليسار في الانتخابات المقبلة يعتمد بشكل أساسي على قدرته على استعادة أصوات يسار الوسط التي انجذبت إلى معسكر ماكرون.
ومع توقعات بإجراء انتخابات برلمانية جديدة في الصيف المقبل، وانتخابات محلية في 2026، يبدو أن التحالف اليساري سيستمر في الوجود، ولكن مع تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقات بين مكوناته.