شهدت الأوضاع في قطاع غزة حالة من الاحتدام، تعكس تجاذبات الصراع المعقدة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية، هذا التقرير، المستند إلى ما نشرته عدد من وسائل الإعلام العبرية يسلّط الضوء على أبعاد المعركة الحالية، انطلاقًا من سياقاتها التكتيكية وصولًا إلى الفخاخ الاستراتيجية التي نصبتها حماس.
فرحة مشوبة بالألم
احتفل الفلسطينيون في غزة، اليوم الأحد، بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، رغم التأخير الذي استمر ثلاث ساعات عن الموعد المقرر، تزامن ذلك مع إعلان حركة حماس أسماء ثلاث محتجزات سيتم إطلاق سراحهن لاحقًا.
لكن خلف هذه الفرحة، يكمن مشهد قاتم رسمته حرب إبادة إسرائيلية على القطاع استمرت 15 شهرًا، وأسفرت عن سقوط أكثر من 157 ألف شخص بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى 11 ألف مفقود ودمار هائل أوقع غزة في أتون مجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال وكبار السن.
صفقة الأسرى
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن مصلحة السجون الإسرائيلية استوعبت دروس صفقة شاليط (2011) التي أثارت مشاهد انتصار الأسرى الفلسطينيين المحررين الرأي العام الإسرائيلي، لذلك، اتخذت السلطات الإسرائيلية تدابير صارمة لنقل الأسرى المقرر الإفراج عنهم بموجب الصفقة الجديدة.
تشمل الإجراءات استخدام حافلات ذات نوافذ داكنة أو مغلقة بالكامل، لمنع الأسرى من إظهار علامات النصر أو القيام بأي إشارات رمزية قد تؤثر في الوعي العام الإسرائيلي، وأكد مسؤول في مصلحة السجون أن الهدف من هذه التدابير هو ضمان تنفيذ الصفقة بسلاسة ومنع أي مشاهد مشابهة لصفقة شاليط.
الفخاخ الثلاثة لحماس
في تحليل للوضع، نشرت موقع "ميدا" العبري مقالا أوضح أن حماس نجحت في نصب ثلاثة أنواع من الفخاخ لإسرائيل:
1. الفخ التكتيكي: الأنفاق كمصائد موت
استثمرت حماس خمسة عشر عامًا في بناء شبكة أنفاق معقدة ليست فقط لنقل القوات، بل لاستخدامها كفخاخ للقوات الإسرائيلية، والهدف كان واضحًا هو أسر الجنود أو جر جيش الاحتلال إلى معارك مكلفة داخل الأنفاق، ما يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة.
إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تمكن إلى حد ما من تفادي هذا الفخ باستخدام استراتيجيات مثل إخلاء السكان واستخدام القوة النارية المكثفة لتدمير الأنفاق قبل اقتحامها.
2. الفخ النظامي
يشير المقال إلى أن غزة تحولت إلى ساحة قتال مرهقة، حيث يواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي قوات حماس التي تتمتع بتدريب متفاوت ولكن بأساليب قتال مرنة، من نصب الكمائن إلى استخدام القناصة، في ظل هذه الظروف، تسعى حماس إلى استنزاف قدرات الجيش، معتقدة أن المجتمع الإسرائيلي لن يتحمل الخسائر البشرية على المدى الطويل.
3. الفخ الاستراتيجي
واعتمدت حماس على دعم حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله وحركات مدعومة من إيران في سوريا واليمن والعراق، لضمان توسيع دائرة الحرب، الهدف النهائي لحماس هو استدراج الجيش الإسرائيلي إلى مستنقع غزة، مما يضعف قدراته ويهيئ الظروف لشن هجمات من جبهات أخرى.
ثمن الحرب الباهظ على غزة
في خضم هذا الصراع، تحمل سكان غزة العبء الأكبر، حيث تحولت المنطقة إلى ما يشبه الأنقاض. تشير التقارير إلى أن نحو 50 ألف شخص لقوا حتفهم، فيما أُصيب 100 ألف آخرون. تُرك 60% من سكان القطاع بلا منازل صالحة للسكن، في حين تضاعفت معاناة السكان بسبب نقص الغذاء والماء والدواء.
على الجانب الآخر، فإن حماس، رغم الخسائر الكبيرة، لا تزال تحتفظ بقدرة على المناورة، وتسعى إلى استثمار أي مكاسب سياسية قد تحصل عليها من المفاوضات. يرى محللون أن هذه الاستراتيجية تمثل خطرًا طويل الأمد على استقرار المنطقة.
وقال عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، في تعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، إنه "بعد توجيه الجيش الإسرائيلي ضربات قاسية لحزب الله، وخوض مواجهة مع إيران، والمساهمة في انهيار نظام الأسد، إضافة إلى الضربات المكثفة لحماس، تجعل من المستحيل أن يخرج يحيى السنوار ليرفع علامة".
وأضاف "يادلين"، في حديثه لصحيفة "جلوبس" الإسرائيلية، أن "السنوار تم القضاء عليه إلى جانب محمد الضيف وإسماعيل هنية والعديد من كبار قادة حماس في غزة المدمرة"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل لم تحقق نصرًا كاملًا في الأشهر الأخيرة، بل على العكس، فإن حماس تستعيد عافيتها، ونحن ندفع ثمناً باهظاً نتيجة استمرار القتال". وأردف قائلًا: "لن يكون بمقدورنا القضاء على حماس إلا بعد استعادة المحتجزين بالقوة نفسها التي تعاملنا بها مع حزب الله في لبنان، عندما لم يكن هناك مختطفون بين أيدينا".
وأضاف: "صفقة تبادل المحتجزين ليست نهاية الحملة ضد حماس، بل يجب أن تكون استعادة قطاع غزة مشروطة بإخراج حماس منه بالكامل"، مؤكدا أن "غزة دفعت ثمنًا كارثيًا نتيجة لعملية الاختطاف، فهي الآن مدمرة تمامًا، مع ما يقرب من 50 ألف قتيل و100 ألف جريح، وقد سقطت عليها مواد متفجرة تفوق ما امتصته القنبلة النووية على هيروشيما، فضلاً عن أن 60% من الأسر أصبحت بلا منزل صالح للسكن".