بعد 15 شهرًا من المعاناة والدمار، جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل ليمنح أهالي غزة بصيص أمل بعد سنوات من الصراع المستمر. لكن رغم الترحيب الواسع بالهدوء النسبي الذي جاء عقب الاتفاق، يبقى التساؤل الأبرز، هل يمثل هذا الاتفاق بداية لتحقيق سلام دائم في المنطقة.. أم لا يزال هناك تحديات كبيرة في قادم الأيام ربما تبرز على الساحة؟
ومنذ انعقاد القمة العربية الصينية الأولى عام 2022، غيّرت الصين نظرتها الاستراتيجية نحو الشرق الأوسط، ولم تكتف فقط بأهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة، بل أصبحت تلعب دورًا سياسيًا كبيرًا، خاصة بعدما نجحت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وفيما يتعلق بدعم الصين للقضية الفلسطينية، كانت بكين من أوائل الدول التي اعترفت بجبهة التحرير الفلسطينية في عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونج. ومنذ بداية حرب غزة، دعمت الصين حل الدولتين وشدّدت على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بل بذلت جهودًا دبلوماسية مكثفة لإنهاء الحرب ومنع مزيد من الكوارث الإنسانية.
وبالنسبة للخارجية الصينية، وبعد الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في غزة، فقد صرّحت بأنها تدعم تنفيذ الاتفاق، وستواصل جهودها الحثيثة في تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار ما بعد الحرب في غزة. كما أعربت عن أملها من أن يتمكن الأطراف المعنية من انتهاز فرصة وقف إطلاق النار في غزة للدفع بتخفيف حدة التوتر في المنطقة.
خطوة أولى في رحلة طويلة
أوضح وانج جوانجدا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية" أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يُعد بمثابة خطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار في غزة، لكن لتتحقق نهاية حقيقية للصراع يجب أن يستعيد الفلسطينيون حقهم في إدارة شؤونهم بأنفسهم.
وحول خارطة الطريق التي يراها لتحقيق السلام الدائم، أكد أن الشرط الأساسي للسلام الدائم في غزة هو تحقيق الاستقلال الفلسطيني وإعادة بناء الدولة الفلسطينية، ما سيعيد للفلسطينيين كرامتهم الوطنية ويضمن لهم العدالة والمساواة.
وشدّد "وانج" على ضرورة تعزيز وقف إطلاق النار بشكل مستمر، مع التركيز على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة لتخفيف الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
وطالب أمين مركز الدراسات الصيني العربي المجتمع الدولي بدعم فلسطين بشكل فعّال لتسريع عملية إعادة الإعمار، التي ستكون أساسية لضمان الاستقرار والازدهار في القطاع.
تخفيف معاناة الفلسطينيين
من جانبه، قال تشن جيه، عميد معهد الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة صن يات صن، في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن الاتفاق يعد خطوة مهمة نحو التخفيف من معاناة المدنيين في غزة، حيث يستطيعون العودة إلى منازلهم بعد فترة طويلة من التهجير. لكنه في الوقت نفسه، حذّر من أن عملية إعادة الإعمار ستكون معقدة وتحتاج إلى وقت طويل وجهود مضاعفة، بالنظر إلى التحديات السياسية والاقتصادية والنفسية التي سيواجهها الفلسطينيون في المستقبل.
وقف إطلاق النار
وفي تحليل آخر، أشار سون جانج، الباحث في مركز الدراسات الشرق أوسطية بجامعة فودان، إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بين حماس وإسرائيل يتمتع بخصائص مميزة مقارنة بالاتفاقات السابقة، لأنه يشمل جوانب أوسع من مسألة وقف إطلاق النار.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن تركيز الاتفاق على قضايا إنسانية ملموسة مثل إطلاق سراح 33 معتقلًا من قبل حماس، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي تدريجيًا، وزيادة المساعدات الإنسانية، إضافة إلى السماح للنازحين بالعودة إلى منازلهم، أعطاه بُعدًا أكبر.
وأشار "سون" إلى أن هذا الاتفاق يشدد على أهمية تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة بشكل لم يحدث في الاتفاقات السابقة. كما أن الاتفاق يتم تنفيذه على مراحل، ما يتيح تقليل المخاطر وزيادة فرص نجاحه.
الآفاق المستقبلية
وحول آلية تنفيذ الاتفاق ومراقبة الالتزام بحسن تطبيقه؛ قالت وانج شياويو، باحثة مشاركة في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان، إن نجاح الاتفاق يعتمد على قدرة الطرفين على الوفاء بالالتزامات التي تم الاتفاق عليها، إضافة إلى دور المجتمع الدولي في مراقبة تنفيذ الاتفاق ودعمه بشكل مستمر.
موضحًا أن أبرز ميزات هذا الاتفاق هي تغطيته لمجموعة واسعة من القضايا الإنسانية والسياسية، ما يعكس تغيّرًا في الأجواء السياسية على كل الجانبين.