وجه معبر وملامح مألوفة تجدها في كل بيت مصري، إنها الفنانة الراحلة كريمة مختار أو "ماما نونا"، كما لقبها جمهورها ومحبوها، وتحديدًا عقب عرض مسلسل "يتربى في عزو" الصادر عام ٢٠٠٧، جسّدت دور الأم ببراعة، بسبب صدق أداءها الذي ميّزها، وجعل كل من يشاهدها يتأثر بها ويندمج مع مشاعرها، سواءً كانت في الفرح أو الحزن، لتسكن قلوبهم ووجدانهم، وتصنع اسمها بين الكبار الذين جسّدوا دور الأمومة؛ لتظل باقية بأعمالها في كل بيت عربي، بعد أن غيبها الموت في مثل هذا اليوم من عام 2007.
البداية
عطيات محمد البدري التي ولدت في يناير عام 1934 بدأت مشوارها الفني من خلال برنامج للأطفال، واضطرت لتغيير اسمها إلى "كريمة مختار"، حيث تحدثت عن تلك الفترة في لقاء لها: "توسم المخرج عبد الرحيم الزرقاني في خيرًا، وكان وقتها يقول لي إن صوتي قريب من فاتن حمامة، واحتفوا بي في الإذاعة، وكل من يبحث عن صوت جيد كانوا يرشحوني له".
لكن الأمور لم تسر ببساطة مع "ماما نونة"، كما كانت تتوقع، فوالدها الذي كان يعمل مديرًا للحسابات في مبنى أسفل الإذاعة المصرية، اعترض بشدة على دخولها مجال عمله، وكشفت عن الأسباب في اللقاء نفسه، إذ قالت: "اعترض هو وأمي، وكان دائمًا يقول لي إنني سأكون سببًا في إيقاف زيحات شقيقاتي الأربع، ولم أستطع وقتها أن أوضح وجهة نظري، وتحمّلت كل العقبات، وأكملت في طريقي".
زواجها
لم تتمكن كريمة مختار من دخول عالم التمثيل بسبب رفض والدها، ولكنها شعرت بانفراجة حينما انجذب قلبها إلى المخرج نور الدمرداش، فتلك الفتاة التي كانت لا تبالي بالزواج وقعت في شِباك الحب، وانجذب قلبها إلى صديق شقيقتها، وتحكي قائلة عن ذلك في لقاء تليفزيوني: "كنت أخاف منه في البداية فقد كانت تحبه كل النساء في الجامعة ولم يكن على بالي يومًا، وكان كل تفكيري في تلك الفترة أن أجتهد في دراستي، وأجيد الهواية التي أحبها، لكنه كان دائمًا ما يحاول الحديث معي، وبعد فترة فوجئت بطلب أمي أن أخرج لعريس تقدم لي، ووجدته هو وتزوجنا وكان بوابة دخولي للمجال الذي أحبه وقدمنا معًا فيلم "ثمن الحرية".
تكمل كريمة حديثها عن زوجها الذي أنجبت منه ٤ أبناء، هم شريف وأحمد وهبة ومعتز، وتقول: "كان نور ملك الفيديو، وأحببت حياتي معه، فقد كان مُتقبلًا عملي ويشجعني دائمًا، ويُحب القراءة وأستفيد منه، ورغم أننا لم نقدم أعمالًا كثيرة معًا،لكنني أحببت الأعمال التي قدمتها معه".
مشوارها الفني
انطلقت كريمة مختار في مشوارها الفني، وقدمت مجموعة مهمة من الأعمال في السينما منها "الحفيد، يا رب ولد، سعد اليتيم"، وفي التليفزيون "الليلة الموعودة، يتربى في عزو" وغيرها من الأعمال العديدة الناجحة، حيث برعت في تقديم دور الأم، رغم ما تملكه الدراما من عمالقة أبدعوا في هذا الدور وحفروا لأنفسهم اسمًا في التاريخ مثل أمينة رزق وفردوس محمد، إلا أنها نجحت في أن تخطف قلوب الجمهور، وتحكي قائلة في لقاء متلفز عما ميّزها في هذا الجانب: "شاركت في أعمال هزت وجداني منذ بداياتي في ثمن الحرية وبالوالدين إحسانًا وغيرهما، وكنت أعبر عن مشاعر حقيقية داخلي وطبيعية".
ورغم تكرار الدور في أكثر من عمل إلا أنها تبرر وتقول: "قدمت الأمومة بأكثر من شكل، فكل منزل به أم مختلفة عن الأخرى، وأنا كنت أسير وراء هذا المنطلق، ومن أكثر الأدوار التي أحبها "ماما نونا" في مسلسل "يتربى في عزو".
لم تكن الراحلة تقبل بأي دور للأم، إذ تقول: "إذا لم أشعر بالدور ومشاعره تتحرك داخلي لا أقبله مهما عرضوا عليّ أو أغروني، فأنا أحب أن أقدم للجمهور كل ما هو صادق".
العيال كبرت
الصدفة قادت كريمة مختار لأن تشارك في أحد أهم الأعمال في تاريخ المسرح المصري، وهي مسرحية "العيال كبرت"، حيث تواجدت فيها بعدما اعتذرت عنها الفنانة المصرية نبيلة السيد، لتخرج النسخة التليفزيونية بوجود كريمة مختار وتحقق من خلالها نجاحًا كبيرًا ساكنًا في قلوب كل محبيها.
رحيلها
في صباح 12 يناير من عام 2017 بكى الجميع، ولكن هذه المرة ليس على أدوارها وعاطفتها الظاهرة في كل مشهد، لكن على رحيل "ماما نونا" التي صارعت المرض في أيامها الأخيرة، لتظل رغم رحيلها ساكنة في قلوب كل محبيها، وباقية في وجدان الأجيال.