الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حرائق مدمرة ودخان قاتل.. كارثة مزدوجة تضرب لوس أنجلوس

  • مشاركة :
post-title
حرائق لوس أنجلوس المدمرة

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

سحابة من الدخان السام والكثيف تخنق سماء لوس أنجلوس الأمريكية، حاملة في طياتها جسيمات دقيقة قاتلة تخترق أجساد الملايين من السكان وتهدد حياتهم، فيما تواصل الحرائق المستعرة تدميرها للمدينة منذ أيام، وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فقد تسببت هذه الكارثة المزدوجة في مقتل 24 شخصًا على الأقل وتدمير ما يزيد على 100 ألف منشأة، لتصبح واحدة من أخطر الكوارث البيئية التي تواجه المدينة في تاريخها الحديث، حيث يجتمع فيها عنف النيران مع سمية الدخان المنبعث من احتراق المباني والمنشآت التجارية.

عدو خفي يخترق الدم والرئتين

كشفت الصحيفة عن مخاوف متزايدة من التأثيرات الصحية الخطيرة للدخان المنبعث من الحرائق، خاصة الجسيمات الدقيقة المعروفة علميًا باسم PM2.5. وفي هذا السياق، يوضح الدكتور دون ماكنزي، الأستاذ المساعد في كلية العلوم البيئية والغابات بجامعة واشنطن، أن هذه الجسيمات التي لا يتجاوز حجمها جزءًا من عشرين من عرض الشعرة البشرية، تمتلك القدرة على اختراق مجرى الدم والاستقرار في أنسجة الرئة.

ويضيف ماكنزي أن الأضرار الناجمة عن التعرض للدخان تراكمية، وتزداد خطورتها مع التركيزات العالية للجسيمات الدقيقة التي تستطيع التموضع في المساحات الصغيرة داخل الرئتين.

تحول خطير في مصادر تلوث الهواء الأمريكي

تكشف الإحصائيات المقلقة التي أوردتها الجارديان أن ثلث تلوث الجسيمات الدقيقة في الولايات المتحدة يأتي حاليًا من دخان حرائق الغابات، فيما تشير التقديرات إلى أن تلوث الهواء يحصد أرواح نحو 100 ألف شخص سنويًا في الولايات المتحدة، ويرجع جزء كبير من هذه الوفيات إلى استنشاق الدخان المنبعث من حرق الوقود الأحفوري والخشب والمواد الأخرى.

وقد أشارت الدكتورة كلير شولارت، الباحثة في كلية الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، إلى أن المخاطر تتضاعف بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة مثل الربو وأمراض الرئة الانسدادية المزمنة، والنساء الحوامل، والأشخاص محدودي الدخل الذين لا يستطيعون الوصول إلى أماكن مغلقة ذات هواء نقي، فضلًا عن الأطفال الصغار الذين لا تزال أجهزتهم التنفسية في مرحلة النمو.

تحديات غير مسبوقة في المناطق الحضرية

يقدم البروفيسور جويل كاوفمان، أستاذ الصحة البيئية والطب في جامعة واشنطن، تحليلًا عميقًا لخصوصية حرائق المناطق الحضرية مثل لوس أنجلوس.

ويشرح كاوفمان أن خطورة الوضع تكمن في طبيعة المواد المحترقة في المباني والمنشآت التجارية، والتي تختلف جذريًا عن المواد المحترقة في حرائق الغابات التقليدية، مضيفا أن المواد المصنعة والكيميائية المختلفة المحترقة في المباني قد تطلق مركبات سامة في الهواء لم يتم دراسة تأثيراتها الصحية بشكل كافٍ حتى الآن، مما يجعل التنبؤ بالآثار الصحية أكثر تعقيدًا.

جهود مجتمعية وتحديات مستقبلية

تسلط الجارديان الضوء على الجهود المبذولة من قبل منظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه الأزمة المتصاعدة.

وتبرز في هذا السياق جهود منظمة "قوة الأمهات من أجل الهواء النظيف"، التي تضم أكثر من 1.5 مليون من الآباء والأمهات المتحدين ضد تلوث الهواء وتغير المناخ لحماية صحة الأطفال.

وتوضح إليزابيث بيتشارد، مديرة الصحة العامة في المنظمة، أن المنظمة نجحت بالتعاون مع مجموعات بيئية أخرى في تقديم التماس إلى الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ لتصنيف دخان حرائق الغابات ككارثة كبرى، مما قد يفتح الباب أمام تمويل إضافي لمساعدة المتضررين.

تدابير عاجلة ومستقبل غامض

في إطار الجهود المبذولة للحد من تفاقم الأزمة، أصدرت السلطات في مقاطعة لوس أنجلوس والمناطق المحيطة بها تنبيهًا صارمًا يحظر حرق الخشب، حتى في المدافئ المنزلية.

وفي حين ساهمت رياح سانتا آنا القوية، التي وصلت سرعتها إلى 70 ميلًا في الساعة، في دفع جزء من الدخان نحو المحيط بعيدًا عن المناطق السكنية، إلا أنها في الوقت نفسه ساعدت في انتشار النيران بشكل أوسع.

ويختتم البروفيسور كاوفمان التقرير بملاحظة محبطة، مشيرًا إلى أن التقدم المحرز على مدى سنوات في مكافحة تلوث الهواء في لوس أنجلوس يتعرض لنكسة خطيرة بسبب هذه الحرائق.

ومع استمرار تأثيرات تغير المناخ في تفاقم حرائق الغابات، فإن الدخان الناتج يهدد بإلغاء كل التحسينات التي تحققت من خلال اعتماد مصادر الطاقة النظيفة، مما يضع المدينة وسكانها أمام تحديات صحية وبيئية غير مسبوقة في المستقبل المنظور.