في الوقت الذي تلتهم فيه النيران آلاف المنازل والمنشآت في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، يجد سكان الولاية أنفسهم في مواجهة أزمة مزدوجة، إذ تواجههم الحرائق المدمرة من جهة وشركات تأمين تتخلى عنهم في أحلك الظروف من جهة أخرى، في هذا الصدد كشف تحقيق موسع أجرته صحيفة "نيوزويك" الأمريكية عن تفاصيل هذه الأزمة غير المسبوقة، حيث قررت كبرى شركات التأمين في الولاية، وعلى رأسها "ستيت فارم"، تقليص عدد المؤمن عليهم في المناطق المعرضة للمخاطر، تاركة آلاف العائلات في مواجهة مصير مجهول.
تحول في سوق التأمين
في تطور يعكس عُمق الأزمة التي تعصف بقطاع التأمين في كاليفورنيا، كشفت "نيوزويك" عن رسالة مثيرة للجدل وجهّها الرئيس التنفيذي لشركة ستيت فارم، دينيس هاردن، إلى مفوض التأمين في كاليفورنيا، ريكاردو لارا، في مارس 2024.
وفي تفاصيل الرسالة التي حصلت عليها الصحيفة، أوضح "هاردن" أن الشركة وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ هذا القرار الصعب بسبب الضغوط المالية المتزايدة، مؤكدًا أن مجرد رفع أسعار وثائق التأمين لم يعد كافيًا لتغطية المخاطر المتصاعدة في المناطق المعرضة للحرائق.
ولم تقتصر هذه الخطوة على "ستيت فارم" وحدها، إذ كشفت بيانات رسمية صادرة عن إدارة التأمين في كاليفورنيا أن 7 من أصل أكبر 12 شركة تأمين في الولاية قد قلّصت تغطيتها التأمينية خلال السنوات الأربع الماضية، في مؤشر خطير على تحول هيكلي في سوق التأمين الكاليفورني.
معاناة المواطنين والخيارات المحدودة
وفي تحليل عميق للوضع القانوني، يقدم ديف جونز، مدير مبادرة مخاطر المناخ في مركز القانون والطاقة والبيئة بجامعة كاليفورنيا بيركلي، الذي شغل منصب مفوض التأمين في كاليفورنيا لمدة ثماني سنوات، تفسيرًا مفصلًا للموقف القانوني، موضحًا أن التشريعات في جميع الولايات الأمريكية تمنح شركات التأمين الحق في اتخاذ قرارات بشأن تجديد أو عدم تجديد وثائق التأمين.
وأشار "جونز" إلى أن شركة ستيت فارم لم تقم بإلغاء الوثائق بشكل مباشر، بل اختارت عدم تجديدها، وهو أمر يقع ضمن حقوقها القانونية.
ويؤكد جاري كواسنيوسكي، المحامي المتخصص في قضايا التأمين والشريك في مكتب فياو وكواسنيوسكي للمحاماة في لوس أنجلوس، أن الخيارات القانونية المتاحة أمام المتضررين محدودة للغاية.
ويشرح كواسنيوسكي أن عقود التأمين، رغم طبيعتها الخاصة، تظل في النهاية عقودًا تقوم على مبدأ الموافقة المتبادلة، ولا يمكن إجبار أي شركة تأمين على تحمل مخاطر لا ترغب في تغطيتها.
حماية المستهلك والحلول المقترحة
تلقي كارمن بالبر، المديرة التنفيذية لمنظمة حماية المستهلك في لوس أنجلوس، الضوء على جانب آخر من المشكلة، حيث تؤكد أن العديد من أصحاب المنازل لم يتلقوا أي تفسير منطقي لقرار عدم تجديد وثائقهم التأمينية.
وتشير "بالبر" إلى أن هذه الممارسات قد تكون تعسفية وتمييزية في بعض الحالات، ما يجعلها غير قانونية، لكن المشكلة تكمن في عدم إجراء تحقيق شامل من قبل مفوض التأمين في كاليفورنيا حول هذه الممارسات.
وفي سياق الحلول المقترحة، يطرح الخبراء، وفقًا لما نقلته "نيوزويك"، مجموعة من التوصيات العملية، تتضمن سن تشريعات جديدة تضمن حق المواطنين الذين يلتزمون بمعايير السلامة وإجراءات الحماية من الحرائق في الحصول على تأمين من أي شركة.
كما يقترحون تطوير نظام شامل لتقييم المخاطر وتحديد الأسعار بشكل عادل، مع توفير حوافز للمنازل التي تتخذ إجراءات إضافية للحماية من الحرائق.
مستقبل غامض وتحديات متزايدة
تختتم "نيوزويك" بتحليل شامل قدمه جويل لوشر، المتخصص في برنامج حاملي وثائق التأمين الموحد والمفوض السابق لإدارة التأمين في كاليفورنيا، حيث يؤكد أن المشكلة تتطلب حلولًا جذرية على المستويين التشريعي والتنظيمي.
ويشدد "لوشر" على ضرورة إيجاد توازن بين حقوق شركات التأمين في إدارة مخاطرها المالية وحق المواطنين في الحصول على تغطية تأمينية عادلة ومعقولة.
وينصح لوشر المتضررين بالتواصل مع إدارة التأمين في كاليفورنيا في حال اعتقادهم بأن قرار عدم تجديد وثائقهم كان غير عادل، موضحًا أنه في حال عدم الحصول على حل مُرضٍ، يمكنهم اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.
ويؤكد أن المعايير المستخدمة في قرارات عدم التجديد يجب أن تكون موضوعية ومرتبطة بشكل مباشر بمخاطر المؤمن عليه، وأي انتهاك لهذه المبادئ قد يفتح الباب أمام دعاوى قضائية.