وصل رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، جزيرة مايوت في زيارة مكثفة سريعة يومًا واحدًا، على رأس وفد وزاري رفيع المستوى، حاملًا معه وعدًا بخطة شاملة لإعادة إعمار الأرخبيل المنكوب الذي دمره إعصار تشيدو قبل أسبوعين، في حين تأتي هذه الزيارة في ظل معاناة السكان المحليين من انقطاع الخدمات الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية، فيما تتواصل عمليات تقييم الأضرار وإحصاء الضحايا في أسوأ كارثة طبيعية تشهدها الجزيرة منذ 90 عامًا.
الاستجابة الحكومية
وكشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية أن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو نفى الشائعات التي تحدثت عن سقوط آلاف الضحايا، مؤكدًا أن العدد يتراوح بين "عشرات ومئات".
وفي آخر حصيلة رسمية نشرتها محافظة مايوت، بلغ عدد القتلى 39 شخصًا، فيما تجاوز عدد المصابين 5600 شخص، في حصيلة قد ترتفع مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ.
وأظهرت التقييمات الأولية حجم الدمار الهائل الذي خلفه الإعصار، إذ تضررت البنية التحتية بشكل كبير، وانقطعت خدمات المياه والكهرباء والاتصالات عن معظم مناطق الجزيرة.
خطة "نهوض مايوت"
أعلن بايرو، في تصريحات موسعة نقلتها "إكسبريس"، خطة طموحة أطلق عليها اسم "نهوض مايوت"، مؤكدًا أنها ستتجاوز مجرد إعادة الإعمار إلى رسم مستقبل مختلف للجزيرة.
وأوضح أن الخطة تنقسم إلى مرحلتين رئيسيتين، الأولى تركز على الاستجابة الفورية للاحتياجات العاجلة وتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية، والثانية تمتد على المدى الطويل وتهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين مستوى المعيشة في الجزيرة التي تعد أفقر مقاطعة فرنسية.
وحدد رئيس الوزراء الفرنسي هدفًا طموحًا يتمثل في إتمام عملية إعادة الإعمار خلال عامين، مشددًا على أن حكومته موجودة تحديدًا لتكذيب القدر وتجاوز ما يبدو مستحيلًا.
تحديات إعادة الحياة
حمل الوفد الوزاري المرافق لبايرو، الذي يضم خمسة وزراء بارزين من بينهم وزيرا الدولة إليزابيث بورن للتعليم، ومانويل فالس لما وراء البحار، 2.5 طن من المساعدات الإنسانية العاجلة، شملت أقراص تنقية المياه ومستلزمات طبية ضرورية لمرضى الغسيل الكلوي.
وتواجه السلطات تحديات جمة في إعادة تشغيل المرافق الحيوية، خاصة محطات تحلية المياه ومحطات توليد الكهرباء.
وبدأت زيارة بايرو بتفقد محطة تحلية المياه في بتيت تير، تلاها زيارة لمدرسة في حي مامودز والمستشفى الميداني الذي أُقيم بعد الإعصار.
أزمات تُعقد التعافي
كشفت التقارير الميدانية التي نقلتها "إكسبريس" عن تعرض العديد من المدارس لعمليات نهب وتخريب، خاصة في حي كافاني بالعاصمة مامودزو وفي منطقة كومباني.
ونقلت الصحيفة عن سافينا سولا، رئيسة تجمع مواطني مايوت 2018، استنكارها الشديد لقيام بعض الأهالي باصطحاب أطفالهم للمشاركة في نهب المدارس، تحت ذريعة أن "هذه الممتلكات تعود للدولة وبالتالي هي ملك لهم".
وتسعى الحكومة جاهدة لاستئناف العملية التعليمية بحلول 20 يناير المقبل، رغم حجم الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية.
حملة تنظيف واسعة
كشفت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية عن حملة تنظيف واسعة شهدتها شوارع مامودزو، استعدادًا لزيارة رئيس الوزراء والوفد المرافق له.
وشارك في الحملة نحو 200 عامل و100 شركة بدأوا العمل، منذ أول أمس السبت، لتجهيز المدينة لاستقبال الوفد الحكومي.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، عبرت إحدى التاجرات في الشارع الرئيسي المغلق عن شكوكها في توقيت حملة التنظيف، قائلة: "كثير من الناس يعتقدون أن تنظيف الشوارع يتم فقط لأن الوزراء قادمون".
وأضافت: "منذ مرور الإعصار 13 ديسمبر، والنفايات متناثرة في كل مكان، الرائحة سيئة، ولم تكن هناك أي عمليات تنظيف، آمل أن يكون التنظيف الآن بسبب عطلة نهاية الأسبوع وليس فقط من أجل الزيارة الوزارية".
وتعكس هذه التصريحات حالة الاستياء بين السكان المحليين من بطء عمليات التنظيف والإغاثة في الأسابيع التي أعقبت الإعصار، وتثير تساؤلات حول مدى استدامة جهود التنظيف والإصلاح بعد انتهاء الزيارة الرسمية.
مطالب شعبية
تأتي زيارة بايرو استكمالًا لجولة الرئيس إيمانويل ماكرون، 19 و20 ديسمبر، التي أعلن خلالها حزمة من التدابير الطارئة.
وأثارت تصريحات ماكرون للسكان المنكوبين جدلًا واسعًا، خاصة عندما قال لهم: "لو لم تكونوا جزءًا من فرنسا، لكنتم في وضع أسوأ بعشرة آلاف مرة!".
وفي المقابل، طالبت مجموعات من المجتمع المدني في رسالة مفتوحة بإنشاء صندوق تضامن استثنائي لتعويض المتضررين، بمن فيهم غير المؤمن عليهم، وإلغاء الضرائب العقارية للعام الحالي، منتقدين "عدم كفاية التدابير" المتخذة حتى الآن.
ومن المقرر أن يختتم بايرو زيارته لمايوت بالتوجه إلى جزيرة لا ريونيون، التي تبعد 1435 كيلومترًا وتشكل قاعدة لوجستية رئيسية لعمليات الإغاثة، قبل أن يعود إلى العاصمة باريس، غدًا الثلاثاء.
وتترقب الأوساط السياسية والشعبية في مايوت مشروع قانون خاص بالجزيرة، من المتوقع عرضه في مجلس الوزراء، الجمعة المقبل.