يواجه رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، مهمة شاقة في قيادة الحكومة الفرنسية الجديدة، وسط أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة تهدد باستمرار حالة الشلل السياسي في البلاد، في هذا الصدد كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن تفاصيل المشهد السياسي المعقد في ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، حيث تتصارع القوى السياسية المختلفة في ظل برلمان منقسم وأزمة اقتصادية خانقة.
مشهد سياسي متأزم
كشفت الصحيفة عن عمق الأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا، إذ تواجه الحكومة الجديدة برئاسة بايرو تحديات جمة تتمثل في انقسام حاد داخل البرلمان الفرنسي بين ثلاث كتل رئيسية متعارضة.
فمن جهة، هناك اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ومن جهة أخرى تحالف يساري واسع يعرف باسم الجبهة الشعبية الجديدة، بينما يحاول تيار الوسط الذي يمثله الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته الحفاظ على توازن هش.
وقد أدى قرار ماكرون المتسرع بإجراء انتخابات مبكرة في الصيف الماضي إلى تفاقم الوضع، مما أسفر عن برلمان معلق يستحيل معه تشكيل أغلبية حاكمة مستقرة.
تركة ثقيلة وأزمة اقتصادية متفاقمة
تواجه الحكومة الفرنسية الجديدة، وفقًا لبوليتيكو، تحديًا اقتصاديًا خطيرًا يتمثل في عجز هائل في الميزانية وصل إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل ضعف المستوى المسموح به في قواعد الاتحاد الأوروبي.
ولمواجهة هذا التحدي، اختار بايرو المصرفي المخضرم إريك لومبارد لتولي حقيبة الاقتصاد والمالية، مستفيدًا من خبرته الواسعة في القطاع المصرفي حيث عمل سابقًا في مؤسسات مالية كبرى مثل BNP Paribas وشركة التأمين العملاقةGenerali.
ويعمل لومبارد جنبًا إلى جنب مع الوزيرة أميلي دي مونتشالين، المنتمية لمعسكر ماكرون، والتي ستتولى مسؤولية الميزانية بشكل خاص.
معضلة الميزانية وضغوط الأسواق المالية
تسلط بوليتيكو الضوء على الوضع المالي الحرج الذي تواجهه فرنسا، حيث أدى سقوط حكومة بارنييه إلى رفض ميزانية 2025، مما وضع البلاد في موقف صعب قبل أيام من الموعد النهائي لنهاية العام.
واضطرت الحكومة المنتهية ولايتها إلى اتخاذ إجراء مؤقت بتمديد العمل بميزانية 2024 إلى 2025 لتجنب حدوث إغلاق حكومي على غرار ما يحدث في الولايات المتحدة.
وقد تفاقم الوضع مع قيام وكالة موديز للتصنيف الائتماني بخفض التصنيف الائتماني لفرنسا، مستشهدة بحالة "التشرذم السياسي" وتوقعاتها باستمرار نمو العجز في العام المقبل بدلًا من انخفاضه كما كان مخططًا في عهد بارنييه.
مستقبل غامض وتحديات متعددة
تشير الصحيفة إلى أن بايرو قد وعد بإجراء تصويت على ميزانية جديدة بحلول منتصف فبراير، لكنه سيحتاج إلى إيجاد طريقة لخفض العجز دون إثارة غضب أحزاب المعارضة.
ويواجه رئيس الوزراء الجديد اختبارًا حاسمًا في 14 يناير عندما يلقي خطاب سياسته الافتتاحي أمام الجمعية الوطنية، حيث تعهدت حركة فرنسا الأبية اليسارية بتقديم اقتراح بحجب الثقة إذا لم يطلب التصويت على الثقة.
ويتطلب نجاح هذا الاقتراح دعمًا من كل من الحزب الاشتراكي والتجمع الوطني، مما يجعل موقف الحكومة الجديدة هشًا للغاية.
تداعيات على فرنسا والاتحاد الأوروبي
تختتم بوليتيكو بتحليل التداعيات الأوسع لهذه الأزمة، إذ تشكل تحديًا كبيرًا للرئيس ماكرون الذي سيستمر في منصبه حتى عام 2027، لكنه يواجه تراجعًا حادًا في شعبيته ويترأس بلدًا يبدو أنه أصبح مستعصيًا على الحكم.
كما أن الوضع يثير قلقًا متزايدًا في أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث أن فرنسا، بصفتها ثاني أكبر اقتصاد في التكتل والتي لطالما كانت قوة دافعة له إلى الأمام، تواجه حالة من الجمود السياسي غير المسبوق.
وتشير التقديرات إلى أن استمرار هذا الوضع قد يؤثر سلبًا على قدرة فرنسا على لعب دورها القيادي المعتاد في السياسات الأوروبية وقد يؤدي إلى تباطؤ عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي ككل.