في مشهد مثير وسط دمار شامل، يقف قصر ديفيد ستاينر في ماليبو كشاهد على حرائق لا تبقي ولا تذر، ففي حين التهمت النيران أكثر من 10,000 مبنى وأحرقت منازل مشاهير وأثرياء، ظل القصر الذي تبلغ قيمته 9 ملايين دولار قائمًا وسط الحطام، في معجزة تعكس قوة التخطيط والاحتياطات في مواجهة كارثة حرائق الغابات.
التصميم.. مفتاح النجاة
بينما دُمرت معظم العقارات المحيطة، ظل قصر ديفيد ستاينر قائمًا بفضل احتياطات مسبقة، ويقال إن ستاينر اتخذ قرارًا حاسمًا بتركيب أنظمة متقدمة لمكافحة الحرائق تشمل خراطيم مياه عالية الضغط ومولدات احتياطية، ما ساهم في حماية قصره من النيران.
وصمم رجل الأعمال ديفيد ستاينر تدابير القصر باستخدام مواد مقاومة للحريق مثل الجص والحجر، وزُوِّد بسقف مقاوم للنيران، وقال ستاينر لصحيفة "نيويورك بوست": "هذا المنزل بني لتحمل الزلازل والنيران بفضل تصميمه القوي، كما يحتوي على أكوام خشبية تمتد إلى عمق 50 قدمًا داخل الصخور، ما يعزز استقراره".
الحصن الأخير
خلال الحريق، اعتقد "ستاينر" أن كل شيء قد ضاع، خاصة بعد أن شاهد مقطع فيديو يُظهر النيران تنتشر في شارعه، لكنه تلقى أخبارًا مفرحة عندما علم أن منزله بقي سالمًا. وأوضح ستاينر أن المنزل "مصمم ليكون الحصن الأخير في مواجهة الكوارث الطبيعية".
وأظهرت هذه الحادثة أهمية التخطيط المسبق والتصميم المعماري المقاوم للكوارث، وأكد ستاينر أن استخدام المواد الصحيحة في البناء كان العامل الأساسي في حماية منزله، وأضاف: "قلبي ينفطر على أولئك الذين فقدوا منازلهم، لكن تجربتي تثبت أهمية اتخاذ التدابير الوقائية".
دمار شامل في ماليبو
تسببت حرائق الغابات المدمرة في لوس أنجلوس، التي تُعد واحدة من أكثر الحرائق شراسة في تاريخ المدينة، في مقتل 10 أشخاص على الأقل وإحراق حوالي 34 ألف فدان من الأراضي.
وحسب تقرير لـ"ديلي ميل" البريطانية، فقد تحولت مناطق ساحلية مثل ماليبو وباسيفيك باليساديس إلى مشاهد كابوسية، حيث أصبحت أشجار النخيل المميزة مجرد جذوع محترقة، وتحولت المنازل الفاخرة إلى أنقاض متفحمة.
ناجون ومآسٍ إنسانية
في خضم الكارثة، تكشفت قصص مأساوية لأشخاص حاصرتهم النيران. من بين الضحايا كان أنتوني ميتشل وابنه جاستن، اللذان لم يتمكنا من الهروب بسبب إعاقاتهما، وفقًا لتصريحات عائلتهم لصحيفة "واشنطن بوست". كما لقي فيكتور شو مصرعه وهو يحاول إنقاذ منزله مستخدمًا خرطوم مياه.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن خسائر الحرائق قد تصل إلى ما بين 135 و150 مليار دولار، تشمل الأضرار المباشرة وتكاليف الإخلاء وإعادة الإعمار. وأكدت شركة أكيو ويذر أن هذه الكارثة قد تؤدي إلى تحديات طويلة الأمد لسكان المدينة والشركات.
رياح وجفاف أججت النيران
ولعبت الرياح الصحراوية القوية، المعروفة برياح سانتا آنا، دورًا كبيرًا في انتشار الحرائق. وفقًا لخبراء من جامعة كاليفورنيا، ساهم الجفاف المستمر وزيادة النباتات الجافة نتيجة الأمطار الغزيرة في السنوات السابقة في تفاقم الوضع، وكانت النيران تنتشر بسرعة فائقة، ما أدى إلى تفاقم الخسائر.
وواجهت السلطات المحلية انتقادات لاذعة بسبب سوء إدارة الأزمة، إذ تعرضت رئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارين باس، والحاكم جافين نيوسوم لضغوط هائلة بسبب نقص المياه في صنابير الإطفاء وتقصير في الاستعدادات، وألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن باللوم على أنظمة البنية التحتية القديمة ووعد بتوفير دعم فيدرالي بنسبة 100% لتكاليف الإغاثة.
لم تقتصر الخسائر على السكان العاديين؛ فقد دمرت النيران منازل العديد من المشاهير، من بينهم باريس هيلتون وأنتوني هوبكنز وتينا نولز، وعبرت الممثلة دينيس كروسبي عن حزنها بفقدان منزلها، بينما أطلقت شخصيات مثل جيمي لي كورتيس حملات لدعم المتضررين.
وتسلط الكارثة الضوء على أهمية الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية في ظل تغير المناخ. وتتطلب حرائق الغابات استراتيجيات وقائية تشمل تحسين البنية التحتية وتطوير أنظمة الإخلاء والطوارئ. ويظل قصر ستاينر رمزًا للأمل والتخطيط في مواجهة الجحيم المشتعل.