في خضم أجواء سياسية متوترة تشهدها فرنسا، أعلن قصر الإليزيه، اليوم الاثنين، أن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة فرانسوا بايرو لن يتم إعلانه قبل السادسة مساءً بالتوقيت المحلي، في خطوة تعكس حساسية الموقف، واحترامًا ليوم الحداد الوطني على ضحايا إعصار شيدو في مقاطعة مايوت.
أبرز الأسماء المتداولة
كشفت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، عن قائمة من الأسماء البارزة المرشحة لتولي حقائب وزارية في الحكومة الجديدة، يأتي في مقدمتها إليزابيث بورن، رئيسة الوزراء السابقة، وجيرالد دارمانان، وزير الداخلية السابق، الذي أعلن صراحة طموحه في تولي حقيبة الخارجية، رغم رغبة الوزير الحالي جان نويل بارو - حزب الحركة الديمقراطية - في الاحتفاظ بمنصبه.
ويُطرح اسم كزافييه بيرتران، أحد أبرز وجوه حزب الجمهوريين اليميني، لتولي وزارة العدل، رغم ما قد يثيره ذلك من حساسية لدى حزب التجمع الوطني الذي طالما عارضه.
وفي سياق متصل، من المتوقع أن يحتفظ عدد من الوزراء الحاليين بمناصبهم، منهم كاترين فوتران، في وزارة الأقاليم، وراشيدا داتي، في وزارة الثقافة، وسيباستيان لوكورنو، في وزارة الدفاع، وبرونو ريتايو، في وزارة الداخلية.
انتقادات حادة لماكرون
ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى وجود انتقادات حادة وجهت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تعامله مع أزمة تشكيل الحكومة، إذ اتهم النائب جان فيليب تانجي من حزب التجمع الوطني، في تصريحات له على قناة BFMTV، الرئيس ماكرون بأنه "يضيع الوقت عمدًا"، واصفًا الوضع السياسي في البلاد بـ "المسرحية".
وذهب النائب إلى أبعد من ذلك حين وصف تصرفات الرئيس بأنها "تقنية مخادعة للتلاعب".
وبرز انتقاد ضمني من النائبة إستيل يوسوفا من حزب "ليوت"، عن أزمة جزيرة مايوت، إذ حذّرت عبر منصة "إكس" من "سيناريو عدم اللياقة والازدراء تجاه سكان مايوت"، إذا تم إعلان الحكومة في يوم الحداد الوطني على ضحايا إعصار شيدو.
وفي السياق ذاته، بدا المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع الوطني جوليان أودول، قد نفد صبره حيال الوضع السياسي في فرنسا، إذ قال في تصريحات لقناة "فرانس إنفو": "ننتظر الرؤية، خاصة التوجه الذي ستتبناه الحكومة الجديدة.. حتى الآن لا نرى توجهات فرانسوا بايرو واضحة".
وأضاف أودول بنبرة ساخرة: "يمكنكم تعيين جولدوراك أو ألجنيه تنكربل.. لكن إذا بقيت السياسة نفسها، وإذا لم يكن هناك تغيير جذري، فلن ينجح الأمر".
وحذّر المتحدث باسم التجمع الوطني، بايرو، قائلًا إنه "إذا سار في توجه لا يحترم ناخبي التجمع الوطني، فسيواجه نفس المصاعب التي واجهها وزراء هذه الحكومة وفرانسوا بارنييه".
كواليس المشاورات والمفاوضات
وفي الكواليس، أكدت صحيفة "إكبريس"، أن الساعات الأخيرة شهدت مشاورات مكثفة بين ماكرون ورئيس الوزراء المكلف بايرو، إذ عقدا سلسلة من المكالمات الهاتفية على مدار اليوم السابق، قبل أن يجتمعا في لقاء مطول مساءً بقصر الإليزيه.
وأكدت المصادر المقربة من رئيس الوزراء أن المفاوضات وصلت مراحلها النهائية، مع التركيز على ضمان تمثيل متوازن لمختلف التيارات السياسية.
جذور الأزمة السياسية
تعود جذور الأزمة السياسية الحالية، إلى يونيو الماضي، حين فاجأ الرئيس ماكرون الجميع بقرار حل الجمعية الوطنية عقب الانتخابات الأوروبية، وأفرزت الانتخابات التشريعية التي تلت ذلك برلمانًا منقسمًا بشكل غير مسبوق، إذ تصدر تحالف اليسار النتائج، يليه حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان، ثم المعسكر الرئاسي.
وتفاقمت الأزمة مع سقوط حكومة ميشيل بارنييه، 4 ديسمبر الجاري، بتصويت تاريخي على حجب الثقة، في حدث لم تشهده فرنسا منذ عام 1962.
التحديات والرهانات المستقبلية
تواجه الحكومة الفرنسية المرتقبة تحديات جسيمة، يتصدرها كسب ثقة البرلمان المنقسم وإدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية المُلحة.
وأكد مارك فيسنو، رئيس الكتلة البرلمانية للحركة الديمقراطية، أن الهيكل الأساسي للوزارات قد تم تحديده، مشيرًا إلى أن القائمة الكاملة للحكومة ستعلن دفعة واحدة قبل عيد الميلاد، في محاولة لطمأنة الرأي العام وتهدئة المخاوف من استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي.
وتختتم "لوباريزيان" بالإشارة إلى أن نجاح بايرو في تشكيل حكومة توافقية سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرته على إدارة المرحلة المقبلة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه فرنسا، والحاجة الملحة لاستعادة الاستقرار السياسي بعد فترة طويلة من الاضطرابات.