في خطوة استباقية تهدف إلى تجنب سيناريو الإغلاق الحكومي الذي تعانيه الولايات المتحدة من حين لآخر، أقر البرلمان الفرنسي تشريعًا استثنائيًا يسمح بترحيل موازنة 2024 إلى العام المقبل، في حين يأتي هذا الإجراء غير المسبوق، وفقًا لما كشفته صحيفة "بوليتيكو"، لتفادي شلل مؤسسات الدولة مع بداية 2025 في ظل أزمة سياسية ومالية حادة تعصف بثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
درس أمريكي
على غرار التجربة الأمريكية التي شهدت إغلاقات حكومية متكررة بسبب الخلافات السياسية حول الموازنة، وجدت فرنسا نفسها أمام تحدٍ مماثل عندما أدى تحالف غير مسبوق بين اليمين المتطرف واليسار إلى إسقاط حكومة ميشيل بارنييه ورفض مشروع موازنة 2025.
البرلمان الفرنسي اختار مسارًا مختلفًا عن نظيره الأمريكي، وسارع إلى إقرار تشريع طوارئ يضمن استمرارية عمل مؤسسات الدولة وتجنب السيناريو الأمريكي المكلف.
وقالت "بوليتيكو" إن المشرعين الفرنسيين استفادوا من الدروس المستخلصة من التجربة الأمريكية، إذ أظهرت الإغلاقات الحكومية المتكررة في الولايات المتحدة التأثير السلبي الكبير على الاقتصاد والخدمات العامة، لذلك، جاء التحرك الفرنسي سريعًا وحاسمًا لتجنب تكرار هذا السيناريو.
تحديات اقتصادية متفاقمة
يأتي هذا التطور في وقت تواجه فيه فرنسا أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد، إذ بلغ العجز في الموازنة مستويات قياسية وصلت إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويمثل هذا المستوى من العجز ضعف الحد المسموح به وفقًا لقواعد الاتحاد الأوروبي، ما يضع فرنسا تحت المجهر الأوروبي ويخضعها لإجراءات العجز المفرط.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن هذا الوضع المالي الحرج انعكس سلبًا على التصنيف الائتماني للبلاد، إذ خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف فرنسا الأسبوع الماضي، ما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد ويرفع من تكلفة الاقتراض في وقت تحتاج فيه البلاد إلى موارد مالية إضافية لمواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة.
حل مؤقت
وفقًا للتشريع الاستثنائي الذي تم إقراره، سيتولى رئيس الوزراء الجديد فرانسوا بايرو مسؤولية تقديم موازنة جديدة في مطلع العام المقبل.
وحظي هذا القانون الاستثنائي بإجماع غير مسبوق في مجلس الشيوخ الفرنسي، بعد أن صادقت عليه الجمعية الوطنية في وقت سابق.
وفي هذا السياق، أكد وزير الموازنة المنتهية ولايته لوران سان مارتان أهمية هذا التشريع، معتبرًا إياه ضروريًا "للاستجابة للطوارئ وضمان استمرارية حياة الأمة".
ويواجه رئيس الوزراء الجديد تحديًا كبيرًا يتمثل في ضرورة تقديم موازنة متوازنة تستجيب للمتطلبات الأوروبية وتعالج المشكلات الهيكلية في الاقتصاد الفرنسي، وتشير التحليلات الاقتصادية إلى أن نجاح الحكومة في هذه المهمة سيكون حاسمًا في تحديد مستقبل الاقتصاد الفرنسي وقدرته على تجاوز الأزمة الراهنة.
تداعيات إقليمية وأوروبية
تثير الأزمة المالية والسياسية في فرنسا مخاوف جدية على مستوى الاتحاد الأوروبي، نظرًا للدور المحوري الذي يلعبه الاقتصاد الفرنسي في منطقة اليورو، فيما تحذر الأوساط الاقتصادية من أن استمرار هذه الأزمة قد يؤثر سلبًا على استقرار العملة الأوروبية الموحدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن المؤسسات الأوروبية تراقب عن كثب التطورات في فرنسا، وتنتظر رؤية كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع الأزمة المالية، كما أن هناك مخاوف من أن تؤدي هذه الأزمة إلى تأخير الإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي تحتاجها فرنسا لتعزيز قدرتها التنافسية وتخفيض عجز موازنتها.
ويرى محللون أن الطريقة التي تعاملت بها فرنسا مع أزمة الموازنة تقدم نموذجًا مختلفًا عن التجربة الأمريكية، فبينما تكررت حالات الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة بسبب الجمود السياسي وعدم القدرة على التوصل إلى اتفاق حول الموازنة، اختارت فرنسا مسارًا تشريعيًا استباقيًا لتجنب هذا السيناريو.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن التجربة الفرنسية قد تقدم دروسًا مهمة للديمقراطيات الغربية الأخرى حول كيفية التعامل مع الأزمات المالية والسياسية، فرغم حدة الانقسامات السياسية، استطاع البرلمان الفرنسي التوصل إلى حل توافقي يضمن استمرارية عمل مؤسسات الدولة، متجنبًا التداعيات السلبية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال فترات الإغلاق الحكومي.