بدأ رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرانسوا بايرو، مشاورات مكثفة مع القوى السياسية في البلاد، وسط تحديات جمة تتعلق بالموازنة العامة، لتشكيل الحكومة، في هذا الصدد نقلت صحيفة "إكسبريس" الفرنسية ملامح المرحلة السياسية الحساسة التي تشهدها فرنسا، في ظل غياب أغلبية برلمانية واضحة.
محاولات شاقة لبناء التوافقات
في خطوة تعكس حساسية المرحلة وتعقيداتها، استهل بايرو مشاوراته السياسية، صباح اليوم الاثنين، بلقاء استمر لأكثر من ساعة مع مارين لوبان، رئيسة كتلة التجمع الوطني اليمينية في البرلمان.
وكشفت "إكسبريس" تفاصيل هذا اللقاء الذي حمل دلالات سياسية عميقة، إذ خرجت لوبان بتصريحات تميزت بالحذر الشديد، مؤكدة أنها "تم الاستماع إليها"، لكنها شددت على أن "الأفعال وحدها هي ما يطمئن".
وأضافت الصحيفة أن بايرو حرص على التأكيد خلال اللقاء على معاملة جميع النواب بشكل متساوٍ، في إشارة إلى رغبته في تجاوز الانقسامات السياسية العميقة التي تعصف بالبرلمان الفرنسي.
ويواصل رئيس الوزراء مشاوراته مع باقي القوى السياسية وفق ترتيب تمثيلها في الجمعية الوطنية، إذ من المقرر أن يلتقي جابرييل أتال، رئيس كتلة النواب الماكرونيين وحزب النهضة، في محاولة لبناء تحالفات سياسية تمكنه من تمرير القوانين الضرورية، خاصة قانون الموازنة الذي يشكل تحديًا رئيسيًا للحكومة الجديدة.
تحديات اقتصادية وضغوط اجتماعية
تتفاقم الأزمة السياسية في فرنسا مع تعقيدات الوضع الاقتصادي، إذ كشفت الصحيفة الفرنسية عن تفاصيل مقلقة تتعلق بالموازنة العامة للدولة، فبحسب تصريحات وزير الموازنة المستقيل لوران سان مارتان، تواجه فرنسا تحديًا كبيرًا يتمثل في احتمال خضوع 380 ألف أسرة جديدة للضرائب، العام المقبل، بينما سيواجه أكثر من 17 مليون فرنسي زيادة في الضرائب المفروضة عليهم.
وفي محاولة لمعالجة هذا الوضع، يناقش البرلمان الفرنسي مشروع قانون خاص، يهدف إلى ضمان استمرارية الدولة وتمكينها من تحصيل الضرائب وإنفاق الاعتمادات على أساس الموازنة السابقة.
وأثار هذا الموضوع جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية، خاصة مع إعلان رئيسة الجمعية الوطنية، يائيل براون-بيفيه، عدم قبول التعديلات المقترحة لربط معدلات ضريبة الدخل بالتضخم.
انقسامات سياسية
كشف التطورات الأخيرة عمق الانقسامات السياسية في فرنسا، إذ نقلت إكسبريس موقفًا لافتًا لرئيسة كتلة حزب "فرنسا الأبية" في البرلمان، ماتيلد بانو، التي رفضت المشاركة في مشاورات بايرو، مُعللة ذلك بعدم تشكيل الحكومة بعد وعدم مثول رئيس الوزراء أمام البرلمان.
وأكدت "بانو" رفضها القاطع للمشاركة في أي "ائتلاف كبير" أو التفاوض على اتفاق لتجنب التصويت بحجب الثقة.
وفي تصريحات حادة نقلتها الصحيفة، أكد زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون، أن المقاطعة تأتي بسبب "الخشية من أن يكون كل هذا مسرحية جديدة"، مُشددًا على رفض حزبه المشاركة في أي "ائتلاف كبير" أو التفاوض على اتفاق لتجنب التصويت بحجب الثقة، في موقف يضع عقبة إضافية أمام جهود بايرو لتشكيل حكومة تحظى بدعم برلماني كافٍ.
وفي المقابل، برز موقف مختلف لرئيس الوزراء الاشتراكي السابق، ليونيل جوسبان، الذي دعا اليسار غير المتشدد إلى اتخاذ موقف أكثر مرونة.
ونقلت الصحيفة عنه دعوته للحزب الاشتراكي والخضر والشيوعيين إلى "البقاء في المعارضة" مع ضرورة المساهمة في استمرار الحكومة الحالية، مُحذرًا من "الاستخدام الميكانيكي" لتهديد حجب الثقة.
مستقبل الإصلاحات
ويبرز ملف إصلاح نظام التقاعد كأحد أهم التحديات التي تواجه فرنسا، إذ نقلت إكسبريس تصريحات مهمة للرئيس السابق فرانسوا هولاند، الذي توقع عودة هذه القضية إلى الواجهة، عام 2027.
ودعا هولاند إلى عقد مؤتمر اجتماعي مع الشركاء لمناقشة معايير الإصلاح، مؤكدًا أن المطالبة بإلغاء الإصلاح ليست الحل الأمثل في الوقت الراهن.
وتختتم إكسبريس بنقل تصريحات لمارين لوبان، خلال تجمع حاشد في نورماندي، أكدت خلالها عدم ندمها على التصويت بحجب الثقة عن حكومة بارنييه، واصفة الأحزاب المعارضة لهذا التصويت بـ"المنافقين"، الذين تحولوا إلى "حزب واحد" يسعى للحصول على مناصب وزارية.