تعيش كوريا الجنوبية فصولًا سياسية مضطربة، تعكس مشهدًا مليئًا بالتوترات الداخلية وتداعياتها الخارجية. هذه الأزمة، التي قد تبدو كحبكة درامية مأخوذة من المسلسلات الكورية الشهيرة، تحمل في طياتها تأثيرات عميقة على مستقبل الديمقراطية في البلاد وعلاقاتها مع العالم، خصوصًا مع عودة محتملة لدونالد ترامب إلى الساحة الدولية.
مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية تناولت هذا المشهد السياسي المضطرب في تقرير يعكس واقعًا معقدًا ومليئًا بالتحديات.
الأزمة السياسية
شهدت كوريا الجنوبية في الأسابيع الأخيرة سلسلة من الأحداث التي أدت إلى تفاقم الوضع السياسي. بدأت بإعلان الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية في خطوة مفاجئة أثارت انتقادات واسعة، ما دفع البرلمان إلى إلغائها في جلسة طارئة. هذا القرار، الذي برره الرئيس بمحاولة كبح المعارضة ومواجهة الاتهامات الموجهة إلى السيدة الأولى، أدى إلى تصعيد التوترات السياسية.
وفي تطور لاحق، صوّت البرلمان لعزل يون وتعليق سلطاته، ما نقل الصلاحيات إلى حكومة مؤقتة يقودها رئيس الوزراء، لحين إقرار المحكمة الدستورية مستقبل يون، وقد تمتد هذه المداولات إلى 180 يومًا، تاركة البلاد في حالة فراغ سياسي.
الجذور الهيكلية للأزمة
وفقًا لـ"ذا أتلانتيك"، تعود جذور الأزمة إلى النظام السياسي الكوري الذي يسمح للرئيس بفترة ولاية واحدة تمتد لخمس سنوات دون إعادة انتخاب. هذه المحدودية تدفع الرؤساء عادة إلى تعزيز سلطاتهم في النصف الثاني من ولايتهم لمواجهة فقدان الدعم الشعبي والسياسي.
الرئيس يون، الذي تولى منصبه في 2022، واجه منذ البداية معارضة قوية من الحزب المنافس بقيادة لي جاي ميونج، الذي قاد البرلمان لعرقلة مشاريعه القانونية، بما في ذلك الميزانية الوطنية. ومع تزايد الغضب الشعبي تجاه السيدة الأولى بسبب اتهامات بالفساد، لجأ يون إلى إعلان الأحكام العرفية، ما فاقم الأزمة وأثار احتجاجات جماهيرية.
انعكاسات داخلية وخارجية
أدت الأزمة السياسية إلى هبوط سوق الأسهم وتراجع قيمة العملة الوطنية. وعلى الرغم من تعافي الأسواق، لا تزال الشركات الدولية تتردد في الاستثمار، خوفًا من عدم الاستقرار السياسي.
علاوة على ذلك، تُهدد الأزمة بتقويض التقدم الذي أحرزته كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة، خصوصًا في تعزيز علاقاتها مع الغرب، إذ نجحت سول تحت قيادة يون في تحسين التعاون الثلاثي مع اليابان والولايات المتحدة، والانضمام إلى تحالفات استراتيجية مثل Chips 4، فضلًا عن دعمها لأوكرانيا.
لكن الآن، يواجه هذا التقدم خطر التراجع مع عزل يون، ما قد يُضعف موقف كوريا الجنوبية على الساحة الدولية، خاصة مع الترقب لعودة ترامب إلى البيت الأبيض. فعودة ترامب قد تعيد النقاش حول التعريفات الجمركية، وتقاسم التكاليف الدفاعية، وربما حتى انسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية.
مخاطر المستقبل القريب
وفقًا لتقرير "ذا أتلانتيك"، تواجه كوريا الجنوبية تحديات كبرى في الأشهر المقبلة، بما في ذلك قرار المحكمة الدستورية بشأن عزل يون، والبحث عن قيادة قادرة على استعادة الاستقرار الداخلي. كما أن التغيرات المحتملة في السياسة الأمريكية تجاه سول قد تزيد من تعقيد الأمور.
كوريا الجنوبية بحاجة إلى استغلال هذا الفراغ السياسي لبناء استراتيجية قادرة على مواجهة هذه التحديات، خاصة مع استمرار التهديدات الأمنية من كوريا الشمالية، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
تُظهر الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية مدى هشاشة النظام السياسي أمام التحديات الداخلية والخارجية. وبينما ينتظر الكوريون والعالم قرار المحكمة الدستورية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح كوريا الجنوبية في استعادة استقرارها وتعزيز مكانتها الدولية، أم ستظل أسيرة لتاريخها المليء بالصراعات السياسية؟