في مشهد درامي يعكس اضطرابات السياسة في كوريا الجنوبية، تواجه البلاد واحدة من أصعب أزماتها السياسية في التاريخ الحديث، إذ تحاصر الفوضى القيادة، ويتأجج الغضب الشعبي.
وحسب تقرير لصحيفة "كوريا تايمز"، تشهد شوارع العاصمة صخب الاحتجاجات، بينما يحاصر البرلمان بالضغوط لتقرير مصير الرئيس يون سوك-يول، الذي باتت قبضته على السلطة مهددة في ظل اتهامات بالخيانة ومحاولات استعادة الديمقراطية.
الأحداث تتسارع
في ليلة الثلاثاء الماضية، حاول "يون" فرض الأحكام العرفية كخطوة يائسة لاستعادة سيطرته، إلا أن تلك المحاولة لم تدم طويلًا، وخلال ساعات تبددت خطته بعد رفض شعبي وسياسي واسع النطاق، ليعود لمواجهة مصيره مع تضاؤل دعم حزبه وتصاعد الاحتجاجات الشعبية.
ورغم محاولات يون الاتفاق مع حزبه على خطة للاستقالة المبكرة، إلا أنه لم يُظهِر أي نية حقيقية للتخلي عن السلطة ما زاد من تعقيد الأزمة، وفي خطاب مطول أمس الخميس، أصرّ على موقفه مبررًا أفعاله بنظريات مؤامرة تفتقر إلى الأدلة، متهمًا البرلمان وحزب المعارضة بمحاولة تقويض الديمقراطية.
تصاعد الغضب
بينما اختبأ يون عن الأنظار، تفاقم الغضب في الشوارع وفي البرلمان وتزايدت الدعوات لعزله، خصوصًا بعد دعوة زعيم حزب الشعب التقدمي هان دونج هون، لتعليق عمل الرئيس فورًا.
وتُظهر الاحتجاجات اليومية حدة الاستياء العام، إذ باتت الهتافات تهاجم الرئيس وحزبه على حد سواء.
بالتزامن، تعرض أعضاء البرلمان الذين دعموا يون إلى هجمات لفظية وانتقادات حادة من الجمهور، ووصف البعض هذه الضغوط بأنها "إرهاب هاتفي"، حيث تلقى أعضاء البرلمان تهديدات بالقتل والزهور الجنائزية كإشارة رمزية على سخط الشارع.
تفكك حزب السلطة
مع تزايد الانتقادات، بدأ حزب قوة الشعب الحاكم يعاني من انشقاقات داخلية وانخفاض حاد في شعبيته، وأعلن بعض أعضاء الحزب نيتهم التصويت لصالح عزل الرئيس، رغم المخاطر السياسية والشخصية التي تواجههم.
قال النائب كيم سانج ووك، الذي قرر دعم العزل: "الرئيس غير مؤهل تمامًا لقيادة البلاد.. لكنه أشار أيضًا إلى الانقسام داخل حزبه، إذ لا يزال بعض الأعضاء متمسكين بولائهم ليون.
وأضاف كيم أن الحزب بحاجة إلى إعادة بناء شاملة لاستعادة ثقة الناخبين، معتبرًا أن هذه الأزمة تمثل فرصة للتفكير في أخطاء الماضي وإعادة النظر في مستقبل الديمقراطية الكورية.
التداعيات الديمقراطية والدولية
تسببت الأزمة في زعزعة صورة كوريا الجنوبية كدولة ديمقراطية مستقرة، ورغم نجاح البرلمان في عرقلة محاولات يون لفرض الأحكام العرفية، إلا أنَّ هشاشة النظام السياسي الكوري باتت واضحة.
وأكدت يون جونج إن، أستاذة الأبحاث بجامعة كوريا، أنَّ الاحتجاجات الجماهيرية تعكس مقاومة شعبية ضد أي محاولات لتقويض الديمقراطية، وأضافت أن الكوريين ينظرون إلى الديمقراطية باعتبارها حقًا أصيلًا وليس امتيازًا.
من الناحية الدولية، تأثرت سمعة كوريا الجنوبية وعلاقاتها الدبلوماسية، وبينما كانت البلاد تأمل في تعزيز دورها على الساحة العالمية والانضمام إلى مجموعة الدول السبع، تلقت هذه الطموحات ضربة قاسية بسبب الأزمة الحالية.
في حال تعليق عمل الرئيس يون غدًا السبت، ستبقى تداعيات أفعاله السياسية ماثلة لسنوات، فبينما تحاول البلاد التعافي من آثار الأزمة، ستظل كوريا الجنوبية تواجه تحديات في استعادة ثقة شعبها والمجتمع الدولي.