شهدت الجمعية الوطنية الفرنسية مساء أمس الاثنين، بداية مناقشات ساخنة حول مشروع قانون الموازنة للعام 2025، في جلسة كشفت عن عمق الخلافات بين الحكومة والمعارضة حول السياسات المالية المقترحة.
وفي خطوة مفاجئة، تراجع تحالف اليسار المتشدد "فرنسا الأبية" عن تقديم مقترح لرفض مشروع القانون بالكامل؛ مما فتح الباب أمام مناقشات مستفيضة حول تفاصيل الموازنة التي تسعى الحكومة من خلالها إلى معالجة أزمة مالية متفاقمة.
إجراءات غير مسبوقة
كشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، بداية الحكومة جلسة المناقشات بإعلان مهم على لسان وزير الموازنة، لوران سان مارتان، إذ تراجعت عن قرار تجميد المعاشات المنخفضة خلال النصف الأول من العام المقبل.
هذا القرار، الذي جاء قبل ساعة واحدة من بدء الجلسة، يعكس محاولة حكومية لتهدئة المعارضة وتجنب خسارة التصويت على أحد أهم بنود الموازنة.
وفي السياق ذاته، قدم وزير الاقتصاد أنطوان أرمان، صورة قاتمة للوضع المالي الفرنسي، واصفًا إياه بـ"المقلق للغاية"، مما يستدعي حزمة من الإجراءات المالية الاستثنائية تصل قيمتها إلى 60 مليار يورو، منها 20 مليار يورو من إيرادات ضريبية جديدة.
وذكرت الصحيفة أن الهدف المعلن هو خفض عجز الموازنة إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025، مقارنة بعجز متوقع يبلغ 6.1% في العام الحالي 2024.
معركة الضرائب والإصلاحات المالية
كشفت مناقشات لجنة المالية في البرلمان، عن تحول جذري في مشروع الموازنة الأصلي، إذ أقرت اللجنة سلسلة من الضرائب الجديدة التي وصفها وزير الموازنة بأنها "الأكثر قسوة في تاريخ فرنسا".
وتنقل "ليبراسيون" تفاصيل هذه الضرائب التي تستهدف الأرباح الاستثنائية للشركات الكبرى، وتوزيعات الأرباح المرتفعة، وعمليات إعادة شراء الأسهم، بالإضافة إلى ضرائب جديدة على شركات النقل البحري.
وأثار هذا التوجه حفيظة الحكومة التي تتمسك بمبدأ "لكل يورو من الإيرادات الإضافية، يورويان من التوفير في النفقات".
ويؤكد وزير الموازنة أن أي زيادات ضريبية ستكون "مستهدفة" و"مؤقتة"، في محاولة لطمأنة الأوساط الاقتصادية والمستثمرين.
تحالفات غير مسبوقة وتهديد بالمادة 49.3
شهدت أروقة البرلمان الفرنسي تطورًا لافتًا تمثل في تشكل تحالفات غير معهودة بين القوى السياسية المختلفة، إذ كشفت الصحفية الفرنسية عن دور محوري لإريك كوكريل، رئيس لجنة المالية من حزب فرنسا الأبية اليساري، في قيادة هذه التحالفات التي ضمت أحزابًا من "القاعدة المشتركة" لرئيس الوزراء، بما في ذلك أحزاب وسطية وحتى نواب من حزب الجمهوريين اليميني.
هذه التحالفات أثمرت عن تعديلات جوهرية في مشروع الموازنة، مما دفع الحكومة للتلويح باستخدام المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح لها بتمرير النص دون تصويت.
وأثار هذا التهديد الحكومي ردود فعل غاضبة من المعارضة، إذ حذرت النائبة إيفا ساس من مغبة تجاوز إرادة البرلمان، فيما أعلنت مكونات الجبهة الشعبية الجديدة عزمها تقديم اقتراح حجب الثقة ردًا على أي استخدام للمادة 49.3.
تحديات زمنية ومصير غامض
يواجه البرلمان الفرنسي تحديًا كبيرًا يتمثل في ضيق الوقت المتاح لمناقشة أكثر من 3500 تعديل مقترح على مشروع الموازنة. وتنقل ليبراسيون عن المقرر العام للموازنة، شارل دو كورسون، تأكيده استحالة دراسة جميع هذه التعديلات قبل موعد التصويت الرسمي المقرر يوم الثلاثاء 29 أكتوبر.
وتتجه الأنظار اليوم الثلاثاء، نحو كلمة مرتقبة لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، في جلسة قد تكون حاسمة لمصير مشروع القانون المالي، إذ تشير التقديرات إلى أن الحكومة، رغم تأكيدها على رغبتها في إجراء حوار بناء مع مختلف القوى السياسية، قد تلجأ إلى استخدام المادة 49.3 في الأيام القليلة المقبلة، نظرًا لعدم قدرتها على ضمان أغلبية برلمانية كافية لتمرير موازنتها في ظل المعارضة الشديدة التي تواجهها من مختلف الكتل البرلمانية، وفقًا للصحيفة.