كل يوم في غزة له شأن تتلاشى فيه الآمال وتتجدد الجراح، فسكين الاحتلال الذابح أضاف إلى جرح القطاع النازف آلامًا جديدة توثقها فصول هذه الحرب، إذ استهدفت طائرة بدون طيار طبيب العظام الوحيد في القطاع الدكتور سعيد جودة، الذي لم يكن استشهاده مجرد خسارة شخصية، بل كان ضربة موجعة للقطاع الصحي الذي يئن تحت وطأة الحصار والحرب.
سقوط الطبيب سعيد جودة يكشف عن الوجه القبيح للاحتلال الذي لا يتورع عن استهداف المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ويأتي في سياق حرب إبادة ممنهجة، تستهدف كل مقومات الحياة في غزة.
اغتيال الطبيب سعيد جودة
في خطوة تعكس وحشية الاحتلال الإسرائيلي، استُشهِد الدكتور سعيد جودة، جراح العظام الوحيد في شمال غزة، برصاص طائرة مُسيّرة إسرائيلية في أثناء توجهه إلى مستشفى العودة في جباليا لعلاج الجرحى.
ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية، جاء استشهاد "جودة" عبر استهدافه مباشرة بصاروخ، وتأتي هذه الجريمة في سياق استهداف ممنهج للطواقم الطبية العاملة في القطاع، إذ بلغ عدد شهداء القطاع الصحي حتى الآن 1057.
شهادات تدمي القلوب
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أنَّ "جودة"، رغم إصابته قبل أسبوعين، استمر في تقديم الرعاية الصحية حتى لحظة استشهاده، ودعت الوزارة المؤسسات الدولية والحقوقية إلى توفير الحماية للطواقم الطبية التي تواجه استهدافًا ممنهجًا من الاحتلال.
وتشير إحصائيات مكتب الإعلام الحكومي في غزة إلى حجم الكارثة التي لحقت بالقطاع الصحي، حيث خرج 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا عن الخدمة بسبب الغارات الإسرائيلية، وتم استهداف 162 منشأة صحية و135 سيارة إسعاف.
وتعكس هذه الأرقام سياسة إسرائيلية تهدف إلى شلِّ منظومة الرعاية الصحية في القطاع، ما يفاقم معاناة السكان المحاصرين.
إبادة جماعية موثقة
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين 44,835، فيما أُصيب 106,365 آخرين، وتشير التقديرات إلى وجود 11 ألف شخص مفقود يُعتقد أنهم تحت الأنقاض.
وتؤكد منظمات فلسطينية ودولية أنَّ النساء والأطفال يشكلون الغالبية العظمى من الضحايا، كما تسبب العدوان في نزوح قسري لنحو مليوني شخص، أغلبهم إلى مدينة رفح (جنوبي القطاع) المكتظة بالسكان، في مشهد يذكّر بنكبة عام 1948.
تجاهل للقانون الدولي
في تجاهل صارخ للقوانين الدولية، تستمر إسرائيل في هجماتها على غزة رغم قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، ولم تقتصر الحرب على القتل والتدمير، بل تسببت في أزمة إنسانية خانقة أدت إلى مجاعة حادة، خاصة في شمال القطاع، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال، وأدت هذه الظروف القاسية إلى نزوح جماعي للسكان بحثًا عن الأمان المفقود.
دعوات للحماية والتضامن
تدعو وزارة الصحة الفلسطينية والمنظمات الحقوقية جميع المؤسسات الأممية والعاملين الصحيين في أنحاء العالم إلى الوقوف في وجه هذه الجرائم، وتوفير الحماية اللازمة للكوادر الطبية والمرافق الصحية في غزة.
كما حثَّت الوزارة المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات فاعلة لإنهاء العدوان الإسرائيلي وضمان حياة كريمة وآمنة لسكان القطاع.
يمثل استشهاد الدكتور سعيد جودة، الطبيب -الذي كان رمزًا للتفاني في خدمة الإنسانية- جرحًا نازفًا في ضمير العالم، وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يصبح التضامن مع غزة وأهلها واجبًا إنسانيًا على كل أحرار العالم، ليس فقط لإنقاذ ما تبقى من حياة، بل لاستعادة كرامة الإنسان التي تُهدر يوميًا تحت سماء القطاع المحاصر.