بعد عقود من السلطة، يواجه الرئيس السوري السابق بشار الأسد منعطفًا جديدًا في حياته، فمشهد الخروج من دمشق إلى وجهة غامضة وسط تكهنات حول ملجأه المحتمل في روسيا، يصبغ مستقبل الأسد وعائلته بطابع غامض ومشحون بالأحداث.
وبينما تصمت موسكو حول تفاصيل اللجوء، تتكشف معالم حياة جديدة للعائلة في ظل أزمات شخصية وسياسية متداخلة.
شائعات اللجوء وغموض الوجهة
في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، تصاعدت التكهنات حول مكان لجوئه، وأفادت وسائل إعلام روسية بأن "الأسد" وصل موسكو مع عائلته تحت حماية روسية، لكن الكرملين رفض تقديم تأكيدات رسمية.
وأشار المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين هو صاحب القرار في منح اللجوء، لكنه نفى وجود لقاء مخطط بين بوتين والأسد في الوقت الراهن.
في غضون ذلك، ذكرت مصادر قريبة من الفصائل السورية لشبكة "CNN" أن الأسد غادر دمشق إلى اللاذقية تحت حماية روسية، بينما تُظهر بيانات الطيران مسار طائرة غامضة غادرت مطار دمشق واختفت فوق حمص، ما زاد الشائعات حول رحيله.
وأفادت تقارير بأن "الأسد" خرج من سوريا على متن طائرة روسية، وأظهر موقع تتبع الرحلات الجوية Flightradar24 أن طائرة قادمة من اللاذقية، غربي سوريا (حيث توجد قاعدة جوية روسية) وصلت إلى موسكو قبل ساعات قليلة، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
الحياة الجديدة
إذا تأكد لجوء الأسد وعائلته إلى روسيا، فإن بناء حياة جديدة في موسكو يمثل تحديًا معقدًا، فتمتلك العائلة ممتلكات عقارية فاخرة في العاصمة الروسية، حيث يعيش أيضاً وزراء في الحكومة الروسية ورجال أعمال روس أثرياء، بما في ذلك ما لا يقل عن 20 شقة تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 40 مليون دولار، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل".
وليس من المستحيل أن يعيش الأسد وزوجته وأولاده في إحدى هذه الشقق، رغم أنه من الممكن أيضًا أن يتم نقلهم إلى شقة أكثر أمانًا ستخصصها لهم الحكومة الروسية.
ثروة الأسد
وذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية اليوم أنه وفقًا لتقدير وزارة الخارجية فإن ثروة الأسد وزوجته أسماء تبلغ نحو ملياري دولار موزعة بين مجموعة متنوعة من الحسابات المصرفية والشركات والملاذات الضريبية والمشاريع العقارية في جميع أنحاء العالم، لذلك ومن المرجح أنه لا يزال بإمكانهم الوصول إلى مبالغ ضخمة من المال.
ولدى عائلة الأسد سنوات عديدة من المعرفة بموسكو، حتى لو لم يعيشوا هناك، وقد جاء "بشار" إلى هناك عدة مرات للقاء بوتين وغيره من المسؤولين الروس، ودرس ابنه الأكبر "حافظ" في الجامعة هناك وكتب أطروحته باللغة الروسية، وفي العام الماضي فقط جاءت "أسماء" إلى هناك للمشاركة في حفل تخرجه.
ورغم وفرة الموارد المالية، يواجه الأسد وعائلته تحديات تتجاوز الجانب المادي. فزوجته أسماء، التي سبق أن أعلنت تعافيها من سرطان الثدي، كشفت هذا العام عن إصابتها بسرطان الدم، ما يثير التساؤلات حول إمكانية تلقيها العلاج المناسب في روسيا.
إرث السلطة وموقف روسيا
خلال اقتحام القصر الرئاسي في دمشق، وثّق السوريون لمحات من حياة البذخ التي عاشتها عائلة الأسد. أظهرت مقاطع الفيديو أسطولًا من السيارات الفاخرة وممتلكات باهظة.
ولعبت روسيا دورًا حاسمًا في دعم النظام السوري خلال سنوات الحرب عبر التدخل العسكري والدبلوماسي، ومع خروج الأسد، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا أكدت فيه مغادرة الأسد لمنصبه، مشيرة إلى أنه أصدر تعليماته بانتقال سلمي للسلطة. ومع ذلك، أظهر الكرملين حذرًا في التعليق على مستقبل الأسد في روسيا، في إشارة إلى حسابات سياسية وأمنية دقيقة.
ويمثل خروج الأسد من سوريا إلى موسكو تحولًا دراميًا في مسيرته التي امتدت لعقود. وبينما تتشابك الشائعات حول مستقبله، يظل هذا التحول شاهدًا على نهاية عهد اتسم بالجدل. السؤال الأهم الآن: هل ستمنحه روسيا طوق النجاة، أم أن مصيره سيظل معلقًا في انتظار الحسابات الدولية والمحلية؟