في أرض تمزقها الحرب على مدار 13 عامًا من الصراع المحتدم، لا تزال سوريا تعيش فصوله والتي جاء آخرها بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى العاصمة الروسية موسكو، فمنذ اندلاع شرارة الاحتجاجات في 2011، تحولت البلاد إلى ساحة معركة تضم لاعبين محليين ودوليين، يحمل كل طرف أجندته الخاصة. وبينما تتغير خارطة السيطرة العسكرية والسياسية بوتيرة سريعة، تتكشف أبعاد جديدة لصراع لا يبدو له نهاية وشيكة.
جذور الأزمة
انطلقت الاحتجاجات والاضطرابات التي تحولت إلى حرب أهلية في سوريا عام 2011، كامتداد لموجة أكبر شهدتها المنطقة العربية في إطار ما يُعرف بـ"الربيع العربي"، وعلى مدار 13 عامًا صمد فيها نظام الأسد في أجزاء من البلد، لكن في تطور مفاجئ خلال الأسابيع الأخيرة، نجح تحالف من جماعات المعارضة في قلب موازين الصراع، بعد فترة طويلة من الجمود، وتمكنت هذه الفصائل من السيطرة على مدن استراتيجية، منها حلب وحماة وحمص، وصولًا إلى العاصمة دمشق ومن ثم السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإعلان سقوط نظام الأسد، في واحدة من أسرع العمليات العسكرية منذ سنوات.
اللاعبون الرئيسيون
النظام السوري: يعد النظام بقيادة الأسد طرفًا رئيسيًا في الحرب، إذ استند النظام إلى دعم إيراني وروسي قوي لاستعادة أجزاء كبيرة من البلاد. ومع ذلك، أظهرت التحولات الأخيرة ضعف قدرة هذه القوى على تقديم الدعم بالكفاءة السابقة نفسها.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين سوريين وعرب ومصادر مطلعة، أن "الحكومة العراقية رفضت طلب نظام الأسد حشد مزيد من القوات، وأن إيران أبلغت سرًا دبلوماسيين عرب أنه من الصعب إرسال قوات لسوريا، والأسد طلب المساعدة من عدة دول دون نتيجة".
الفصائل المسلحة: تم تصنيف بعضها كمنظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، والهدف الأساسي هو الإطاحة بالنظام السوري، وتحاول الفصائل كسب تأييد السكان المحليين عبر تقديم خدمات مدنية في مناطق سيطرتها.
القوات الكردية: برزت القوات الكردية، تحت لواء ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، كحليف رئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم "داعش".
القوى الدولية.. تباين في الأهداف
تركيا: أطلقت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية عبر الحدود السورية، مركزةً على المناطق الكردية، كما تدعم فصائل مسلحة مثل "الجيش الوطني السوري".
وفي تصريح له وفق وكالة "الأناضول" التركية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العمليات العسكرية تهدف إلى "تحرير دمشق"، ما يعكس انخراط تركيا المباشر في دعم المعارضة.
روسيا وإيران: أرسلت روسيا قوات ومعدات لدعم النظام السوري، لكن الحرب في أوكرانيا أثرت على قدراتها، أما إيران، فقد لعبت دورًا محوريًا عبر مقاتلي "حزب الله"، لكنها بدأت تخفض وجودها العسكري في سوريا بسبب الضغوط الإقليمية والدولية.
الولايات المتحدة: شهد الدور الأمريكي في سوريا تطورات عديدة، من دعم الفصائل السورية إلى التركيز على محاربة تنظيم "داعش"، فيما لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقوات في شمال شرق البلاد لتأمين مناطق النفط ومنع عودة التنظيم الإرهابي.
وكتب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عبر موقع "تروث سوشال"، أمس السبت، إنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بالصراع في سوريا، لأنها في حالة فوضى وهي ليست صديقتنا والمعركة ليست معركتنا.
إسرائيل: تدعي أنها تستهدف مواقع إيرانية ومنشآت تابعة لـ"حزب الله" داخل سوريا، بهدف كبح محاولات نقل الأسلحة إلى لبنان، فيما تشهد الساعات الجارية تحركات من قبل الجيش الإسرائيلي داخل العمق السوري، بين ضربات جوية مركزة على العاصمة دمشق واستهداف منشآت حساسة، وبين انتشار بري لقوات النخبة الإسرائيلية في مواقع استراتيجية، أبرزها احتلال جبل الشيخ السوري.
التكلفة الإنسانية.. ثمن باهظ
أدت الحرب السورية إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، حيث لجأ النظام إلى استخدام أساليب قمعية مثل الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، تجاوزت الأزمة حدود سوريا لتخلق أزمة إنسانية عالمية، وسط نداءات مستمرة لإيجاد حل سياسي ينهي المعاناة.
وتمثل الحرب الأهلية السورية مأساة إنسانية وسياسية معقدة، تعكس صراعات المصالح الإقليمية والدولية. وبينما تسود الفوضى، يبقى مستقبل البلاد غامضًا، وسط تساؤلات حول قدرة الأطراف المتصارعة على تحقيق سلام مستدام يعيد لسوريا استقرارها المنشود.
وقدرت الأمم المتحدة عدد الضحايا في سوريا بين 580 ألفًا و618 ألفًا، منهم 306,887 مدني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، و6.7 مليون نازح داخليا بحلول مارس 2021. ما يجعلها إحدى أسوأ الحروب كارثية في القرن الواحد والعشرين.
سقوط نظام الأسد
وأعلن التلفزيون الرسمي السوري، اليوم الأحد، سقوط نظام بشار الأسد، وبث شاشة حمراء كُتب عليها: "انتصار الثورة السورية العظيمة وإسقاط نظام الأسد"، وجاء إسقاط نظام الأسد عقب اشتباكات بين الفصائل السورية والجيش السوري على مدار 12 يومًا.
وبثَّ التلفزيون السوري، بيانًا للعمليات العسكرية، حثّ فيه الشعب السوري على "ضرورة الحفاظ على جميع ممتلكات الدولة السورية وعدم الاقتراب من المؤسسات العامة التي ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السوري حتى يتم تسليمها رسميًا".