في الوقت الذي كانت فيه آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة تفتك بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتدمر كل معاني الحياة، كان لوبي الاستيطان يعمل على قدم وساق من أجل تهويد القطاع ووضع كل الرؤى بهدف السيطرة على أراضي الفلسطينيين.
ورغم النفي الرسمي لتلك الفكرة، إلا أن الاحتلال بحسب مركز "مدار" للسياسات الإسرائيلية، سعى لترسيخ وقائع جديدة تُمهّد لاستيطان مستقبلي، حيث تبين أنه خلال 9 أشهر من الحرب استولى جيش الاحتلال على 26% من أراضي القطاع.
تجاوز الأهداف
وشرع الاحتلال في إنشاء قواعد دائمة في غزة، بعد أن قام بتدمير منازل الفلسطينيين وجرّف الأراضي الزراعية، وأقام بنى تحتية عسكرية تشمل قواعد جديدة وطرقًا استراتيجية، وهو ما تجاوز الأهداف العسكرية المعلنة بإسقاط حركة حماس واستعادة المحتجزين.
لكن فكرة الاستيطان في القطاع، بدأت قبل ذلك بين كبار المستوطنين والمتشددين في حكومة الاحتلال الإسرائيلية، فبحلول نهاية أكتوبر 2023، انطلقت حملة تعرف باسم "العودة إلى الوطن" دعت للتفكير في الاستيطان بالقطاع، وفي الشهر نفسه انعقد مؤتمر بحضور منظمات يهودية متعددة لوضع تصورات لهذا الغرض.
ائتلاف العودة
وقبل بداية 2024 بقليل، أطلقت 11 منظمة يمينية إسرائيلية "ائتلاف المنظمات للعودة إلى قطاع غزة وجميع مستوطنات شمال السامرة" خلال سلسلة من الاجتماعات السرية، ودعوا المستوطنين للانضمام إلى نوى استيطانية لإعادة بناء المجتمعات اليهودية السابقة في شمال غزة.
توسع الأمر في يناير 2024، بحسب مركز الدراسات، حيث شارك 12 وزيرًا و15 عضو كنيست في مؤتمر الاستيطان في غزة بعنوان "الاستيطان يجلب الأمن والنصر"، حيث دعا إيتمار بن جفير علنًا إلى تشجيع "الهجرة" للفلسطينيين وإعادة استيطان مناطق مثل غوش قطيف وشمال الضفة الغربية.
دعم سياسي
وتمحور المؤتمر، الذي تم عقده بدعم سياسي كبير من حزب الليكود وأحزاب اليمين المتطرف، حول رؤية لإعادة بناء مدينة غزة كمدينة حديثة، خضراء، ومزدهرة، بهدف تحقيق "أمن الاحتلال" وتعزيز المشروع الصهيوني.
في يوليو 2024، أقام المستوطنون بؤرة تسمى "إلى عزة" على مشارف قطاع غزة، بهدف الاستعداد للانتقال لإقامة مستوطنات يهودية، وتحتوي على حضانة للأطفال ومرافق حيوية وخيم يعيش فيها المستوطنون.
خرائط نحالا
وفي أكتوبر الماضي انعقدت النسخة الثانية من المؤتمر، شارك فيه شخصيات بارزة من الليكود، حيث دعا المشاركون إلى إنشاء "غزة الجديدة" كجزء من رؤية استيطانية موسّعة في كل قطاع غزة، ووصفوها بأنها ليست وهمًا، والعمل جارٍ، وقاموا بتوزيع خرائط متخيلة حول المشروع.
وأكدت دانييلا فايس، رئيسة حركة "نحالا" الناشطة في إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية، أن البداية بشراء 40 منشأة ستُقام في غزة، وتم تجنيد نحو 700 نواة استيطانية للانتقال الفوري إلى القطاع فور توافر الظروف.
تحقيق الهدف
وتشمل خريطة غزة الجديدة المزمع إنشاؤها إقامة مستوطنات جديدة على أنقاض المدن والبلدات الفلسطينية بعد عملية تطهير عرقي، بواقع 15 مستوطنة كانت قائمة قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، إضافة إلى 6 مستوطنات جديدة.
ووفقًا للخطة المزعومة ستُبنى المستوطنات الكبرى في مواقع مدن غزة الرئيسة مثل مدينة غزة وخان يونس ومدينة رفح الفلسطينية، حتى إنهم أطلقوا أسماء المستوطنات الجديدة وتنوعت بين يشاي وبوابات و حِسِد ومعوُز.
وفي الأخير، كشف المركز عن أن هناك عدة عوامل يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف عبر الدعم الأيديولوجي والمؤسساتي لحركة الاستيطان والبنية التحتية العسكرية المتطورة، لكن في المقابل يوجد عوامل أخرى تصعّب فرص تنفيذ الأمر، التي منها العبء الأمني والإداري للاستيطان بجانب استمرار الحرب والمسارات التفاوضية المستمرة حتى الآن.