على امتداد خريطة الأزمات في الشرق الأوسط، تظهر غزة اليوم كمسرح لتغيرات استراتيجية جديدة، تثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة الصراع الدائر ومستقبله.
تشير أحدث التقارير الواردة من صحيفتي "نيويورك تايمز" و"التايمز" إلى خطوات مثيرة للجدل تتخذها إسرائيل، تتمثل في إنشاء وتوسيع قواعد عسكرية في عمق قطاع غزة. هذه الخطوة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل ملامح المنطقة بشكل كامل، مما يثير تساؤلات حول دوافع دولة الاحتلال وآثارها المحتملة على مستقبل غزة.
استراتيجية غير معلنة
وكشف تحليل لصور الأقمار الصناعية، أجرته "نيويورك تايمز" و"التايمز" عن إنشاء جيش الاحتلال الإسرائيلي شبكة قواعد عسكرية في وسط قطاع غزة، وتوسعت مساحة السيطرة الإسرائيلية في هذه المنطقة إلى نحو 18 ميلًا مربعًا، حيث تم بناء 19 قاعدة كبيرة وعشرات القواعد الصغيرة.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن هذه القواعد محصنة، تضم جدرانًا، خنادق وقائية، مواقف للمركبات المدرعة، وأبراج اتصالات، حيث تم بناء أو توسيع 12 قاعدة منذ سبتمبر الماضي فقط.
ودمر الاحتلال أكثر من 600 مبنى فلسطيني بهدف توسيع المنطقة العازلة بعرض 6.9 كيلومترًا.
دوافع مُعلنة وخفية للتوسع
وذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي، على لسان متحدثه نداف شوشاني، أن هذا التوسع يأتي لأسباب تشغيلية بحتة، مؤكدًا أن البنية التحتية يُمكن تفكيكها في وقت قصير إذا اقتضى الأمر.
ووفق تقرير "نيويورك تايمز"، يمثل هذا التوسع تغييرًا في سياسة إسرائيل، التي كانت تتجنب في الماضي السيطرة المباشرة على أراضي غزة، حيث أثارت هذه الخطوات تكهنات حول نوايا إسرائيل؛ لتثبيت سيطرة طويلة الأمد على القطاع، وفق تقارير استخباراتية، تخطط إسرائيل لاستخدام هذا التوسع كوسيلة ضغط سياسي وعسكري.
تداعيات وسيناريوهات
وأدى تدمير المباني حول المنطقة التي يبني فيها جيش الاحتلال هذه القواعد إلى تشريد مئات العائلات الفلسطينية، ويُشير مراقبون إلى أن منع عودة الفلسطينيين إلى الشمال قد يعمّق الأزمة الإنسانية ويعزز عدم الاستقرار.
ويبدو أن إسرائيل تعتزم الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في هذه المناطق، حيث أكد الوزير الإسرائيلي آفي ديختر، أن هذا "ليس سوى بداية لمشروع طويل الأمد"، فيما يتزايد الحديث بين المسؤولين الإسرائيليين عن تشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين، ما يعكس رؤية تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي للقطاع.
ويبدو أن قطاع غزة أمام مفترق طرق جديد، حيث تشير التحركات الإسرائيلية إلى استراتيجية أعمق من مجرد أهداف عملياتية، بينما تؤكد إسرائيل أن التوسع الحالي مرتبط بمقتضيات أمنية، تتزايد المخاوف من أن تكون هذه القواعد مقدمة لواقع جديد، قد يشهد تغييرات جذرية في مستقبل القطاع وسكانه، تظل الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن تساؤلات تبقى حتى الآن بلا إجابات واضحة.