تحت وطأة العدوان المتواصل على قطاع غزة، تعيش آلاف الأسر الفلسطينية واقعًا مأساويًا، تتفاقم فيه معاناة الحصول على أبسط مقومات الحياة، مثل المياه الصالحة للشرب.
وانطلاقًا من تلك المعاناة، استطاعت المخرجة الفلسطينية رباب مشهراوي، التي تعيش تجربة النزوح شخصيًا، تسليط الضوء على هذه الأزمة الإنسانية عبر فيلمها الوثائقي "إعادة تدوير"، الذي حمل رسالة عابرة للغات وحصد جوائز في مهرجانات دولية.
من خيمة نزوح في غزة المحاصرة، استطاعت رباب مشهراوي أن تحول معاناة شعبها إلى عمل فني مميز، موجهة رسالة إنسانية قوية عبر الفيلم، في تجسيد حي لقوة الفن في نقل الحقائق، حتى في أحلك الظروف.
معاناة المياه بغزة
توضح رباب مشهراوي في حديثها لموقع "القاهرة الإخبارية" أن أزمة المياه في غزة ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى الطبيعة الجغرافية للقطاع، حيث إن المياه شحيحة حتى قبل العدوان الإسرائيلي الهمجي، وتفاقمت الأزمة مع نزوح أكثر من مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى مناطقه الجنوبية والوسطى، التي تفتقر أساسًا إلى الموارد الكافية.
وتشير مشهراوي إلى أن المناطق التي لجأ إليها النازحون تعج بمخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان منذ عام 1948، ما جعل الوضع كارثيًا في ظل تدفق أعداد هائلة من النازحين إليها.
تجربة شخصية
تحدثت المخرجة عن تجربتها كنازحة تعيش تحت القصف الإسرائيلي المستمر، قائلة: "أنا أم ونازحة مع أسرتي، ونعاني يوميًا من أزمة المياه.. أحيانًا لا نجد مياهًا صالحة للشرب لأسابيع بسبب قصف محطات الضخ والتحلية، والوضع مأساوي لدرجة أن الأطفال حُرموا حتى من شربة ماء".
من المعاناة إلى الكاميرا
انطلقت فكرة فيلم "إعادة تدوير" من مشروع "من المسافة صفر"، حيث تقدمت مشهراوي بفكرة توثيق معاناة أهل غزة في الحصول على المياه، وبعد موافقة إدارة المشروع على الإنتاج، بدأت المخرجة رحلة التوثيق الميدانية وسط ظروف قاسية.
أثناء إعداد الفيلم، اكتشفت مشهراوي أن النازحين اضطروا لإعادة تدوير المياه واستخدامها أكثر من مرة، في محاولة يائسة للحفاظ على كل قطرة ماء، هذه التفاصيل الصادمة دفعتها إلى التركيز على نقل الرسالة بشكل صامت، لتكون مفهومة للجميع، بغض النظر عن اللغة أو المكان.
تحديات إنتاج الفيلم
أكدت المخرجة أنها واجهت صعوبات جمّة أثناء إنتاج الفيلم، أبرزها انقطاع الكهرباء، نقص وسائل التنقل، وانعدام شبكات الإنترنت، ما جعل التواصل مع فريق العمل وتجميع المعدات أمرًا شبه مستحيل.
وقالت مشهراوي: "كنت أترك أسرتي تحت القصف وأخرج لساعات طويلة لتصوير مشاهد الفيلم، متحدية الظروف القاسية التي نعيشها، ورغم تدمير منزلنا ولكن عزاءنا الوحيد أن أسرتي بخير".
جوائز ومشاركات دولية
رغم كل التحديات، أكدت مشهراوي أن فريق العمل نجح في إنتاج فيلم "إعادة تدوير"، الذي تم تقديمه كعمل صامت لنقل الرسالة الإنسانية بشكل عالمي، مشيرة إلى أنه حاز على جائزة في مهرجان عمان الدولي، كما تم عرضه في أكثر من 20 مهرجانًا سينمائيًا دوليًا، مما يعكس صدى القضية الفلسطينية في المحافل العالمية.