تحت وطأة أزمات متلاحقة داخل صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، يبدو أن قرار الموافقة على ترتيبات هدنة مع حزب الله جاء نتيجة ضغوط سياسية وعسكرية أكثر من كونه خيارًا استراتيجيًا مدروسًا. وبينما يصف الجنرال السابق غادي آيزنكوت الاتفاق بـ"المزحة"، تتكشف خفايا الأزمة المتفاقمة داخل المؤسسة العسكرية، التي تعاني تراجعًا في القوة البشرية وضعفًا في التماسك، ما يهدد استقرارها أمام التحديات الميدانية المتزايدة.
آيزنكوت أشار إلى غموض تفاصيل الاتفاق التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام، في تصريحات تضع الاتفاق تحت المجهر، طارحًا سلسلة من التساؤلات حول التوجه الاستراتيجي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، مبرزًا ثغرات يرى أنها تهدد الأهداف الأمنية طويلة الأمد.
انتقادات لخطوات التفاوض
أبدى غادي آيزنكوت، عضو الكنيست عن حزب "معسكر الدولة"، اعتراضه على طريقة تعامل دولة الاحتلال الإسرائيلي مع الترتيبات الناشئة لوقف إطلاق النار مع حزب الله.
وأشار، خلال مقابلة مع موقع "واي نت"، إلى أن المعلومات المحدودة التي تم الإعلان عنها تثير تساؤلات حول الغايات والأهداف الفعلية لهذه الترتيبات، مضيفًا أن الترتيبات الحالية تفتقر إلى خطة واضحة لإعادة المستوطنين إلى بلداتهم بأمان.
وقال: "يبدو أن الظروف لم تنضج بعد لتحقيق أمن دائم، ما يطرح تساؤلات حول ما سيحدث عند انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان بعد 60 يومًا".
شكوك حول التنفيذ
وأثار آيزنكوت تساؤلات حول مصداقية الأطراف المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق. وأكد أن فكرة الاعتماد على الجيش اللبناني لتفكيك قدرات حزب الله "أقرب إلى المُزحة"، مشيرًا إلى أن الجيش اللبناني لا يمتلك القدرة أو الإرادة لمواجهة حزب الله، الذي يتمتع بنفوذ عسكري وجغرافي قوي في جنوب لبنان.
وأضاف: "مع مَن يتم توقيع الاتفاق؟ وكيف سيتم تطبيقه؟ ومن سيضمن تنفيذ الالتزامات على الأرض؟ هناك الكثير من الأسئلة التي لم يُجب عنها".
موقف متحفظ تجاه عودة المستوطنين
أعرب آيزنكوت عن تحفظه بشأن عودة سكان الشمال إلى منازلهم في ظل الواقع الأمني الحالي، وقال: "طالما بقيت قوة حزب الله منتشرة في المنطقة، من المبكر الحديث عن عودة آمنة للمستوطنين، حتى مع المطالبات بإبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، فإن الواقع الجغرافي والديموغرافي يجعل ذلك صعبًا".
وأشار إلى أن سكان القرى الشيعية في المنطقة الحدودية هم جزء من الهيكل العسكري لحزب الله، ما يجعل أي انسحاب تكتيكي للحزب مجرد إجراء مؤقت.
أزمة صعبة
وتأتي محاولات الاحتلال لتوقيع اتفاق مع لبنان، مدفوعة بوجود أزمة صعبة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب هآرتس العبرية، التي أكدت أن 40% من تشكيلات الاحتياط لم يستجيبوا لدعوة الالتحاق بالخدمة العسكرية.
وكشف المحلل العسكري اللواء احتياط إسحاق بريك، للصحيفة أن جنود الجيش النظامي يتحايلون على التجنيد عبر إصدار تقارير طبية تفيد بعدم تمكنهم من القتال، بسبب عدم قدرتهم النفسية والجسدية على الاستمرار.
الخسائر البشرية
ويشهد السلاح البري أيضًا عملية تفكك من ناحية نفاد القوة البشرية والسلاح، وهي الأزمة التي قال عنها المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل، إنها تهدّد موقف نتنياهو الداعي إلى استمرار القتال أكثر من وقائع الحرب نفسها، وأكثر من تكاليفها المتزايدة.
ووفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن قسم القوى البشرية في جيش الاحتلال أكد أنهم بحاجة ماسة إلى 10 آلاف جندي إضافي، منهم نحو 7500 مقاتل، لتعويض الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش على مدار أشهر القتال الماضية.
ضغط لن ينتهي
بجانب ذلك يوجد ضغط كبير على تشكيلات الاحتياط، وهو الضغط الذي لن ينتهي قريبًا، وبحسب البيانات المنشورة هناك 54% من جنود الاحتياط الذين استُدعوا إلى الخدمة، منذ 7 أكتوبر، خدموا أكثر من 100 يوم، منهم 18% تجاوزت خدمتهم الـ200 يوم.
وخلافًا لما يروجه نتنياهو وحكومته من أن حزب الله اللبناني أصبح ضعيفًا، وأن التهديد بإطلاق الصواريخ قد تم القضاء عليه، بعد تدمير البنية التحتية التابعة للحزب، فإن الحرب في الميدان لا تدعم هذه الرواية على الإطلاق.
رئيس الأركان
ويرى الصحفي الإسرائيلي الاستقصائي إيتاي أنجل، خلال حديثه للقناة الـ 12 الإسرائيلية، أن حزب الله على عكس ما يقول نتنياهو يزداد قوة، والثمن في مقابل ذلك هو حياة الناس، مشيرًا إلى أن الصورة أمام الرأي العام بدأت تأخذ منحنى آخر.
وفي ضوء ذلك، بدأت تتعالى الأصوات في الداخل الإسرائيلي، بحسب مركز مدار للدراسات، تطالب بأن يتحمّل الرئيس الحالي لهيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، المسؤولية ويقف بحزم أمام دوائر صُنع القرار السياسي من أجل تأكيد ضرورة إنهاء الحرب.