منذ اعتماد القرار الأممي رقم 1701 عام 2006، الذي أرسى قواعد وقف العمليات القتالية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، تشهد المنطقة توترات متجددة تضغط نحو إعادة صياغة معادلات سياسية وعسكرية جديدة.
واليوم، يتصدر المشهد اتفاق محتمل يحمل في طياته اختلافات جوهرية عن القرار الأممي، مُمهدًا لمسار جديد يبدو أقرب لإدارة الصراع منه لإنهائه، لكن ما الذي يميز هذا الاتفاق عن سابقه؟ وكيف يعيد تشكيل موازين القوى جنوب لبنان؟
القرار 1701.. الأسس والأهداف
أغسطس 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1701، في محاولة لوضع حد للحرب الثانية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ولبنان التي استمرت 34 يومًا.
ونص القرار على وقف العمليات القتالية بين الطرفين، وطالب كلاهما بالانسحاب العسكري وتحديد منطقة جنوب نهر الليطاني كمنطقة خالية من أي مسلحين أو عتاد حربي، باستثناء الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
وركز القرار أيضًا على:
- سحب قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق.
- تعزيز سلطة الدولة اللبنانية عبر نشر قواتها في الجنوب.
- نزع سلاح الجماعات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك حزب الله.
- منع وجود قوات أجنبية دون موافقة الحكومة اللبنانية.
- تعزيز دور اليونيفيل في مراقبة تنفيذ القرار ومنع التصعيد.
الخط الأزرق، الذي اعتبر "مفتاحًا للسلام"، كان بمثابة خط انسحاب مؤقت رسمته الأمم المتحدة عام 2000، لكنه لم يكن مُعترفًا به كحدود دولية.
الخط الأزرق
توضح الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي أنه في حال رغبت السلطات الإسرائيلية أو اللبنانية في القيام بأي أنشطة بالقرب من الخط الأزرق، تطلب قوات حفظ السلام الأممية "اليونيفيل" منها تقديم إشعار مسبق، ما يسمح لبعثة الأمم المتحدة بإبلاغ السلطات على الجانبين تفاديًا لأي سوء فهم قد يؤدي إلى زيادة التوترات.
وتشرح أيضًا أن الخط الأزرق يمتد على طول 120 كيلومترًا على طول الحدود الجنوبية للبنان والحدود الشمالية لإسرائيل.
وتصف الأمم المتحدة الخط الأزرق بأنه "مفتاح للسلام في المنطقة"، وتقول إنه أحد العناصر المركزية للقرار 1701 منذ حرب عام 2006، وتتولى قوات اليونيفيل الأممية مهمة حراسته مؤقتًا.
مرحلة مختلفة من الصراع
ووفق وسائل إعلام عبرية، فقد يُطرح الاتفاق الجديد بين إسرائيل وحزب الله كإطار مختلف عن القرار 1701، إذ يعكس تحولات سياسية وعسكرية إقليمية ودولية.
قيادة التنفيذ:
- القرار 1701 اعتمد بشكل رئيسي على قوات اليونيفيل والجيش اللبناني لتنفيذ بنوده.
- الاتفاق الجديد ينشئ لجنة تنفيذ دولية بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما يعكس تغيرًا في مراكز القوة والإشراف.
التعامل مع حزب الله:
- القرار 1701 دعا إلى نزع سلاح حزب الله ومنع أي نشاط عسكري جنوب نهر الليطاني.
- الاتفاق الجديد يعترف ضمنيًا بوجود حزب الله شمال نهر الليطاني، مع ضمان منع إعادة تسليحه جنوب النهر، كما يشمل الاتفاق آليات لتعقب تهريب الأسلحة، بإشراف الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، بدعم من الغرب.
الانسحاب الإسرائيلي:
- بموجب القرار 1701، انسحبت القوات الإسرائيلية تدريجيًا إلى ما وراء الخط الأزرق.
- الاتفاق الجديد ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية خلال 60 يومًا من وقف إطلاق النار، ضمن "مرحلة تجريبية" لتقييم الالتزام.
آليات الردع والمراقبة:
- القرار 1701 اكتفى بمراقبة قوات اليونيفيل.
- الاتفاق الجديد يمنح إسرائيل حق الرد الفوري على أي تهديد مباشر مع إشراف لجنة التنفيذ الدولية على الحالات غير المباشرة، ما يمنح تل أبيب حرية عملياتية أوسع.
نقاط حدودية ولجنة دولية:
يشمل الاتفاق بدء مفاوضات لترسيم النقاط الحدودية المتنازع عليها، مع تأكيد دولة الاحتلال الإسرائيلي رفض أي تنازلات قد تُفرض عليها، كما سيُكلف الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل بمراقبة المنطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك أي بنى تحتية متبقية لحزب الله.
اللجنة الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، ستضمن تنفيذ الاتفاق، لكنها تثير تحفظات إسرائيلية بشأن دور فرنسا في اللجنة، بسبب مواقفها السابقة.
قضايا شائكة:
يتضمن الاتفاق بنودًا مثيرة للجدل:
- رفض إسرائيل إعادة أسرى حزب الله المحتجزين لديها.
- إبقاء مسألة استهداف قادة حزب الله مفتوحة، مع رفض دولة الاحتلال الإسرائيلي تقديم ضمانات لسلامتهم.
مستقبل الصراع.. إدارة دون حل
بينما شكّل القرار 1701 قاعدة لوقف إطلاق النار على مدى 17 عامًا، يبدو الاتفاق الجديد أقرب إلى إدارة الصراع من إنهائه، مع تعزيز التدخل الدولي وضمانات أمنية جديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، يبقى السؤال الأهم: هل يسهم هذا الاتفاق في تهدئة طويلة الأمد أم يؤسس لجولة جديدة من التوترات؟
ويبدو أن الفرق بين القرار 1701 والاتفاق المقترح يعكس تغيرًا في طبيعة الصراع وطرائق معالجته، إذ تتشابك المصالح الدولية والإقليمية في محاولة لإعادة ترتيب المشهد.
ومع تصاعد التحديات، يظل مستقبل الاستقرار جنوب لبنان مرهونًا بمدى التزام الأطراف بتنفيذ البنود الجديدة، في ظل واقع سياسي وعسكري متغير.