كشفت صحيفة "بوليتيكو" عن ثغرات قانونية قد تمكن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، متجاوزًا بذلك القيود التشريعية التي وضعها الكونجرس العام الماضي.
وتأتي هذه الإشارات في توقيت حساس، بعد أيام قليلة من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأربعاء الماضي، ما يثير مخاوف جدية حول مصير أقوى تحالف عسكري في التاريخ.
ثغرات قانونية تهدد التحالف الغربي
كشف تحقيق موسع أجرته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن تفاصيل مثيرة للقلق حول القانون الذي أقره الكونجرس في عام 2023، والذي يشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ أو إقرار قانون من الكونجرس للانسحاب من الناتو.
وأوضح خبراء قانونيون أن هذا القانون، الذي قدمه السيناتوران تيم كين وماركو روبيو، يعاني من ثغرات دستورية قد تسمح للرئيس المنتخب بتجاوزه.
ولفت سكوت أندرسون، الباحث في معهد بروكينجز والمحرر الأول في موقع "لوفير"، إلى أن السلطات الرئاسية في مجال السياسة الخارجية قد تمنح ترامب الأدوات القانونية اللازمة للالتفاف على هذه القيود التشريعية.
تجربة سابقة
كشفت الصحيفة عن سابقة خطيرة في التعامل مع القيود التشريعية على الانسحاب من المعاهدات الدولية، إذ في عام 2020، تجاهلت إدارة ترامب المتطلبات القانونية عندما قررت الانسحاب من معاهدة "الأجواء المفتوحة".
واستندت الإدارة في ذلك إلى رأي قانوني صادر عن مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل، بقيادة ستيفن إنجل، الذي أكد أن سلطة الرئيس في الانسحاب من المعاهدات تنبع من دوره الدستوري باعتباره "الجهاز الوحيد للأمة في علاقاتها الخارجية".
ومنح هذا الرأي القانوني الرئيس سلطة تقديرية واسعة في إدارة الشؤون الخارجية وتنفيذ المعاهدات أو إنهائها دون قيود من الكونجرس على القرارات الدبلوماسية.
توقيت أكثر خطورة
ونقلت "بوليتيكو" عن كاميل جراندي، المساعد السابق للأمين العام لحلف الناتو والزميل المتميز حاليًا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تحذيرات جدية من أن مجرد الإشارة إلى نية الانسحاب من الحلف قد تكون لها تداعيات فورية على تماسك التحالف.
وأضاف جراندي أن التوقيت الحالي يجعل المسألة أكثر خطورة، خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، والمخاوف الأوروبية المتزايدة من احتمالات التصعيد مع روسيا.
وأشار التقرير إلى تحديات عملية هائلة تتعلق بمصير أكثر من 100 ألف جندي أمريكي متمركزين في أوروبا، وهو عدد شهد زيادة بنسبة 20% منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية قبل عامين، كما سيؤثر أي انسحاب على القيادة العسكرية للناتو، التي ظلت تحت قيادة جنرال أمريكي منذ تأسيسها على يد الجنرال دوايت أيزنهاور في عام 1949.
قلق متزايد
ورغم عدم إعلانه صراحة نية الانسحاب من التحالف، إلا أن تصريحات ترامب الأخيرة تثير قلقًا متزايدًا، إذ نقلت الصحيفة عن الرئيس المنتخب قوله في تجمع انتخابي مؤخرًا إنه سيشجع روسيا على "فعل ما تريد" مع حلفاء الناتو الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع.
وكشفت "بوليتيكو" تفاصيل اجتماع سابق جمع ترامب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عام 2020، أبلغها صراحة أن الولايات المتحدة لن تدافع عن أوروبا في حال تعرضها لهجوم.
وتفاخر ترامب لاحقًا بأن هذه التهديدات دفعت دول الناتو إلى إنفاق "مليارات وملياراتٍ" من الدولارات على دفاعاتها.
معركة سياسية وقانونية في الأفق
وأكدت الصحيفة أن المعركة المقبلة قد تكون قانونية بقدر ما هي سياسية، فبحسب كيرتس برادلي، الأستاذ المتميز في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو، فإن المحكمة العليا عادةً ما تعد النزاعات المؤسسية بين السلطات مسائل سياسية يجب حلها من خلال العملية السياسية وليس عبر التدخل القضائي.
ومع ذلك، يبقى موقف الكونجرس حاسمًا، إذ أكد السيناتور كريس فان هولين، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن المشرعين سيواصلون العمل على تعزيز الناتو ومواجهة أي محاولات لإضعاف التحالف.